بشارة شربل

بنوك الإبتزاز... مِن مافيا السلطتيْن

18 آذار 2022

02 : 00

يوصل انفجار أزمة البنوك الشعب اللبناني الى قعرٍ لا قعر له، فيما يتدحرج أهل السلطة الى أسفل السافلين في معايير الأخلاق وحسن التدبير. و"أهل السلطة"، للراغب في التذكر، هم كل فاعل أو صاحب موقع مسؤول أو مؤثر في القرار سواء فعَل أو تغاضى أو صاح "ما خلّونا" أو ادّعى نقص صلاحيات.

"فرنسبنك" نتيجة منطقية للتدهور العميم. والابتزاز الذي تمارسه عصابة المصرفيين بالتواطؤ مع "السارق المركزي" استثنائي في تاريخ الشعوب، لأنه قَلَّما وُجدت سلطة بأمها وأبيها تتصرّف كأنها غير معنية منذ بدأت أزمة السيولة، متقاذفةً المسؤوليات، محيلةً القضايا الملحة الى لجان، ومتبادلة لعبة التواطؤ خشية انفضاح تورّطها في دمار كلّ عائلة في لبنان.

أكثرية الشعب اللبناني، بمن فيهم أتباع السلاطين والزعماء الذين يُفدَون بالدم، و"ع الحلوة والمرة" بالحَرَد الطفولي والعبث السياسي، تريد محاسبة المتسببين بنهب الودائع وإفقار اللبنانيين، لكن غير مقبول أن يتحوّل القضاء "حارة كل من إيدو إلو" لأن النتائج ستكون وخيمة على الجميع، خصوصاً أن أهداف المدَّعين ومَن وراءهم في هذا التوقيت تتجاوز إحقاق الحق.

كنا نتمنى منذ سنين رؤية رياض سلامة نفسه رهن التحقيق قبل أخيه، فهو ضابط ايقاع توزيع المغانم على رؤوس المعصية أجمعين، وهو صندوقهم الأسود. بيد أن الفلتان القضائي الحالي يتيح للمصرف المرتكب تحويل جرمه الى ظلامة او ضرر على جميع المودعين. وهو أمر كفيل بتدمير ما تبقى من قطاع، لا أسف عليه لولا الحاجة البديهية الى حد أدنى من "نظام مصرفي" والى استعادة بعض أموال الناس من براثن الجشعين.

نخطئ الهدف لو اتهمنا المصارف وحدها. فدولة المافيا العميقة تكمن أساساً في السلطتين التنفيذية والتشريعية، وإلا كيف تُحجب التشكيلات القضائية بهدف عرقلة العدالة؟ وكيف تنعقد جلسات الحكومة وتتعطل من غير شعور بالمسؤولية الوطنية على الأصعدة كلّها؟ وكيف تمرّ عقود عادية واستثنائية لمجلس النواب ويبقى "الكابيتال كونترول" ضباباً معلقاً بسراب تسهيلاً للتحويلات؟ وكيف ينكش الفقير في القمامة فيما بعبدا منشغلة بتفعيل مشروع "أكاديمية الانسان للتلاقي والحوار"؟! بل كيف يجرؤ الذين "مَسحت الأرض" فيهم ثورة 17 تشرين أن يتصدروا المنابر ويطرزوا الخطابات واعدين بالمنّ والسلوى بعد الانتخابات أو متوعّدين معارضي بيعهم السيادة لمشروع الهيمنة الاقليمي؟

لا اعتراض بتاتاً على جلب أي مرتكب الى التحقيق. ليس لأننا نتساهل مع انتقائية بغيضة، بل لأننا نريد البدء من مكان ما. صحيح أن غادة عون ومن يتمثَّلون بها يستحقون التقاعد المبكر، لكن القضاء يجب ان ينبض دائماً بقضاة شجعان ذوي عقول راجحة تحاسِب من غير أن تهدم الهيكل على رؤوس الجميع.


MISS 3