خالد أبو شقرا

"العشوائيّة" أوصلت الإقتصاد إلى نقطة اللاعودة

"الواتساب" رأس جبل جليد الأزمة

19 تشرين الأول 2019

02 : 13

ما يجري في الشارع نتيجة حتمية لاستمرار سياسة تمويل العجز من خلال الضرائب (فضل عيتاني)
الضريبة على "واتساب" وغيره من تطبيقات المحادثات بقيمة 6 دولارات شهرياً، لم تكن إلا النقطة التي طفح بها "كوب" دخل المواطنين الممتلئ بالضرائب والرسوم غير المباشرة. ففاض الشارع بجموع المواطنين الغاضبين والرافضين لأي ضريبة جديدة تُضاف على مداخيلهم المحدودة.

قبل الشروع في مناقشة موازنة 2020 في مجلس الوزراء، أُعلنت في الثاني من أيلول من قصر بعبدا، وبمشاركة كل فرقاء الحكم، حالة الطوارئ الإقتصادية. وجرى الاعلان بعد الإجتماع أن الإجراءات ستكون سريعة، وستظهر في الموازنة الجديدة بشكل إصلاحات قطاعية، وإعادة بناء الثقة بالمؤسسات والأداء، وتبديل النمط السائد، والمحافظة على استقرار سعر الصرف، ومتابعة لائحة مشاريع المرحلة المقبلة من برنامج الإنفاق الاستثماري "سيدر". إلا أن النتيجة بعد 45 يوماً وقبل الجلسة الختامية لمناقشة الموازنة، كانت استبدال الاصلاحات المطلوبة بالضرائب، ما حرك إنتفاضة شعبية معروفة الاسباب، لكنها مجهولة النتائج والعواقب.

النتيجة الحتمية

لا يختلف إثنان على أن ما يجري في الشارع هو النتيجة الحتمية لاستمرار سياسة تمويل العجز من خلال الضرائب، واطمئنان السلطة على أن الزيادات قد تواجه بالقليل من الاعتراضات، لكنها سوف تمر في النهاية. لكن الحكومة التي أسندت ظهرها على شبه إجماع وزاري، وتحججت بمداهمة الوقت لإنجاز الاصلاحات، لم تنتبه لخاصرة الشارع الرخوة، المثقلة بكل أنواع الهموم والاعباء المعيشية وإنعدام الثقة بهذا العهد.

"قبل التطرق الى ضريبة "الواتساب" بقيمة 6 دولارات شهرياً على كل مشترك، نريد أن نسأل لماذا لم تطبق لغاية اليوم خطة الكهرباء التي أقرت في نيسان الماضي، وجرت التعمية على تعيين الهيئة الناظمة للقطاع ومجلس إدارة جديد لـ"كهرباء لبنان"، ولم يتم إطلاق المناقصات لبناء المعامل الجديدة على الغاز، والتي كانت تفرض على المتعهد تقديم خطة آنية لتأمين الكهرباء 24/24 لبينما إنجار المعامل، وهو ما كان وفر علينا ملايين الدولارت"، يقول رئيس تجمع رجال الأعمال اللبنانيين فؤاد رحمة، ويضيف ان "الخطأ المميت الذي اقترفته السلطة هو البدء بفرض الضرائب، قبل الانتهاء من ضبط النفقات، فلا احد يستطيع أو يحق له المجاهرة بعدم القدرة على الإصلاح، ويفرض على المواطنين بالمقابل المزيد من البدلات". وبرأي رحمة "إن كان من سبيل للعمل في هذه الحكومة بعد، فعليها البدء فوراً باصلاح الكهرباء وتطبيق المشاركة مع القطاع الخاص، وإظهارالجدية في إصلاح القطاع العام وضبط النفقات. صحيح أن هذه الإجراءات لن تحسن الوضع بين ليلة وضحاها، لكن على الاقل تعيد بث الثقة بنفوس اللبنانيين والمجتمع الدولي المنتظر على المفرق".

توزيع الآلام

الإقتصادي روي بدارو الذي ينتظر إعلان الحكومة إستقالتها كمرحلة أولى يرى أن المرحلة المقبلة ستكون مفتوحة على أكثر من احتمال، اما حكومة من لون واحد أو حكومة "تكنوقراط" برئاسة عسكري. أما على الصعيد الاقتصادي فان "القراءة للاحداث ليست جيدة، فالصرافون توقفوا اليوم عن شراء وبيع الدولار".

وبرأي بدارو فان ما يجب فعله في هذا الظرف العصيب هو "توزيع الآلام"، على أن يتحمل كل الذين استفادوا خلال السنوات الماضية بطرق غير مشروعة، العبء الاكبر وليس المواطنون. وأن تتم إعادة الاموال المنهوبة بالمساعدة مع برنامج البنك الدولي "star Stolen Asset Recovery". فالمواطنون لن يقبلوا الا بمعاقبة المسؤولين عن الهدر والفساد". وبرأي بدارو، فانه فات الاوان على الاصلاحات "too little too late " وكل التركيز اليوم يجب أن يكون على المحاسبة الجدية.

أيام طويلة تجاهلت فيها السلطة المباشرة أي اصلاحات تذكر، ورغم حرص العديد من الأحزاب والجهات على تقديم إقتراحات منطقية وفعالة للخروج من الازمة من دون إرهاق الطبقات الفقيرة والمتوسطة بمزيد من الضرائب، "إلا أن الحكومة لم تأخذ بكل الملاحظات التي قدمناها إن كان على صعيد الاملاك البحرية أو أعادة الضريبة التصاعدية انما استسهلوا الطريق بفرض ضرائب جديدة تطال الشرائح الفقيرة والمتوسطة من ذوي الدخل المحدود وهذه النتيجة الطبيعية". يقول عضو المجلس القيادي في "الحزب التقدمي الاشتراكي" محمد بصبوص.

المخجل في الموضوع هو أنه كان أمام هذه السلطة فرصة حقيقية لإجراء بعض الاصلاحات الجذرية، إن على صعيد الموازنة أو على الصعيد البنيوي للإقتصاد، لكنها أهملتها مجدداً، وانجرفت في تعليق آمال واهية، على أن الحلول الآنية من الممكن أن تنتشل البلد من أزمته، فكان الشارع والتحرك العفوي للمواطنين الموجوعين هو النتيجة.

البحث عن "السنتات" في جيوب المواطنين، يقابله غض النظر عن ملايين الدولارات في عشرات المرافق العامة. وحدها تسوية المخالفات البحرية تدخل الى الخزينة ما مقداره 1400 مليار ليرة لبنانية أو ما يعادل المليار دولار، وهو رقم كفيل بالتعويض عن كل الضرائب العمياء التي يحاولون تمريرها، لكن "مع الأسف فان الاملاك البحرية هي للنافذين وليست للمواطنين لكي يطبقوا عليها القوانين" يقول أحد المتظاهرين.

نقطة اللاعودة

تُجمع مختلف الآراء على أن هذه السلطة قد تخطت نقطة اللاعودة، وأن البلد أصبح مفتوحاً على كل الخيارات السياسية التي ستحدد مصيره أو مستقبله الإقتصادي. وبالرغم من أن أصحاب الدخول المحدودة والإقتصاد المنكمش سيتنفسون الصعداء بعدم فرض ضرائب جديدة، إلا انه على الاكيد سنخسر جميعاً عامل الوقت. فالليرة اللبنانية تصارع لعدم تخطي سقف الـ 1600 ليرة مقابل الدولار، وأموال "سيدر"، المنقذ الأخير للإقتصاد، عالقة في خزائن الدول الاوروبية بانتظار الاصلاح، وقوانين الشراكة مع القطاع الخاص تنتظر الخروج من ثلاجة الاجراءات البيروقراطية، وآلاف العمال والموظفين يجهلون مصيرهم وإن كانوا سيتقاضون رواتبهم في نهاية الشهر أم لا، والمستوردون يقفون عاجزين أمام فقدان الدولار، والمصارف والقطاعات المالية تتخوف من استمرار موجة العقوبات... عوامل كثيرة يشكل انقضاء الوقت من دون تغيير إيجابي فيها عدوها الاكبر، فهل نصمد؟


MISS 3