طوني عطية

"الديمقراطية التوافقية" بدعة لبنانية أم دستوريّة؟

البروفسور شرف لموقعنا: البديل عن الديمقراطية التوافقيّة هو "الحرب أو التقسيم"

13 نيسان 2022

18 : 44

يقول الفيلسوف الفرنسي الشهير "ديكارت"، إنه "لو اتفق الجميع على مفاهيم واحدة واضحة، لحلّت غالبية المشاكل"، وحيث أن الأنظمة السياسية ترتكز على سلّة مفاهيم ومعايير فكرية وثقافية، أهمّها الديمقراطية، التي تشكّل المدماك الأساسي لهيكل الدولة، وأحد أبرز العوامل المحرّكة لديناميكية الحياة السياسية، والضامن للسلم الأهلي للجماعات المكوّنة للمجتمع، والناظمة لمشاركتها في الحكم وآلياته الدستورية.

ولا تزال تلك المسألة شائكة في لبنان، وتخضع لإشكاليات الرفض والتأييد، فمنهم من يرى بالديمقراطية اللبنانية المعروفة بالـ"التوافقية" بدعة محلية، لا مكان لها في القاموس السياسي، بل ولّادة للأزمات والنزاعات الداخلية، ونقيضة لفكرة ومفهوم الدولة الوطنية، ومنهم من يعتبرها خيارًا وجوديًّا لتكوين لبنان وتركيبته المتعدّدة، وأي مسٍّ بها، هو إعلان حربٍ ونكثٍ للعقد الإجتماعي - السياسي.

فبعد 45 عامًا على إنتهاء الحرب اللبنانية والتي يصادف ذكراها اليوم 13 نيسان، التي كانت إضافة إلى حرب الآخرين على أرضنا، صراعًا أهليًّا بين اللبنانيين حول مفهوم الدولة والنظام وإدارة الحكم، كيف يحدّد أهل العلم والإختصاص إشكالية النظام السياسي وديمقراطيته التوافقية وما البديل عنها؟


يتحدّث البروفسور في العلوم السياسية والمتخصّص في شؤون التعددية والأنظمة السياسية جورج شرف لموقع "نداء الوطن"، قائلًا: "إن الديمقراطية التوافقية هي آخر إبداعات الفكر السياسي والدستوري"، منتقدًا "جهل" الطبقة السياسية التي ليس لديها أي فكرة علمية أو مجتمعية أو تاريخية في أصول وأسس مفاهيم الديمقراطية التوافقية، ما يؤدي إلى منزلقات خطيرة.


ويميّز شرف بين جوهر الفلسفة الديمقراطية من جهة، التي تعني "إنتقال إدارة الشأن الزمني من الدينيّ أي الله، إلى الإنسان، وهذا ما يتوافق مع العلمانية، وبين تطبيقاتها، أي تعبير المجتمعات عن الإرادة الشعبية مثل الإنتخابات والإستفتاء العام، وحكم الأكثرية التي تُعدّ من المتغيّرات، ولا يجوز الخلط بين تقنيات الديمقراطية، وجوهرها الفلسفي".


تطوّر الديمقراطية


وأشار إلى أن المجتمعات دخلت في ثلاث مراحل أساسية، فانتقلت من "الديمقراطية الكلاسيكية" التي تقوم على مبدأ انتخاب الشعب لممثليه في إدارة الدولة، إلى "الديمقراطية التشاركية" وكان التعبير عنها باللامركزية الإدارية التنموية، التي تهتم بحاجات المواطن المحليّة والجغرافية فقط، وصولًا إلى الديمقراطية التوافقية كأنجع النماذج لمعالجة مسألة التعدديّة في الدول المركّبة، والتي تنظر إلى المجتمع ليس كفردٍ، إنّما كجماعات متمايزة، لكلّ منها ثقافتها وهويتها الخاصة المتمايزة.


وقال: "إن التحدي الأبرز الذي واجهته الدولة القومية هو وجود أقليات وجماعات متغايرة أي غير منسجمة عرقيّا ودينيًّا وثقافيًّا، التي طالبت مع الوقت بحقوقها وهويتها وقيمها، ما أدّى إلى قمعها من قبل السلطة المركزية الرافضة لمنطق التعددية، كالنموذجين التركي والفارسي، إضافة إلى القومية العربية".


وفي ردّه على المنادين بإلغاء "الديمقراطية التوافقية"، والعودة إلى الديمقراطية العددية، ختم شرف أن "البديل هو التقسيم أو الحرب"، لأنه سيؤدي حكمًا، إلى تسلّط الأكثرية على الأقلية، وفقدان الجماعات لحقوقها وخصائصها، وشعورها بالغبن، في حين أن مجتمعات ودولا أوروبية مركّبة (مثل لبنان) كبلجيكا وغيرها، اعتمدت الديمقراطية التوافقية كحلٍّ للمسألة النزاعية التاريخية بين جماعتي "الفلامون والوالون"، وأصبحت منذ سبعينيات القرن الماضي دولة فدرالية إلى أقصى حدودها، من دون أن يخلق ذلك أي "بلبلة" ولم تتمّ "هرطقتها" من قبل البلجيكيين كما يحصل عندنا، فيما يرى علماء الإجتماع السياسي من لبنان نموذجًا للديمقراطية التوافقية".


وعن عدم ذكر "الديمقراطية التوافقية" في أحكام الدستور والقوانين، يوضح شرف أن "الميثاق الوطني هو تكريس لفلسفة ومبدأ التوافقية، حيث تمثّلت كلّ المكوّنات الطائفية في الحكم ومشاركتها في النظام السياسي الطائفي وفق معايير وأنظمة متوافق عليها، ما يضمن صحّة التمثيل. أما في تشكيل الحكومات، فليس بالضرورة أن تشارك كافة القوى السياسية والحزبية، بما أن التوزيع الطائفي محترم ومضمون".

MISS 3