د. نبيل خليفه

الثورة الإيرانيّة على المحكّ: من التفجير النووي... إلى تفجير الأنظمة العربيّة!

14 نيسان 2022

02 : 00

نبيل خليفة

تواجه الثورة الإيرانيّة إمتحاناً صعباً في هذه المرحلة من مفاوضات فيينا. فهي من جهة بحاجة ماسّة إلى إنجاح هذه المفاوضات، بحيث تؤكّد بذلك دورها الدّولي كقوّة سابعة في مواجهة القوى الست التي تفاوضها، وهي الدّول الخمس الكبرى تضاف اليها إلمانيا. وفي مراجعة لمسار هذه المفاوضات وما قيل فيها وعنها من مختلف الجهات، لم تصل الأمور إلى حلّ حاسم حول نجاح أو فشل هذه المفاوضات. وكانت المواجهة المباشرة عادةً ما تقع بين الولايات المتحدة وإيران. ولم يكن خافياً على المطّلعين على هذا الموضوع، رغبة إيران في امتلاك التكنولوجيا النوويّة وقرار أميركا بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي. ثم أضافت أميركا إلى ذلك ضرورة وقف إيران لسياستها العدائيّة تجاه الأنظمة العربيّة بدءاً بالعراق وصولاً إلى اليمن!

فما الذي يجري على الصعيد النووي؟

وهل الثورة الإيرانيّة قادرة على وقف دورها في تفجير وتغيير الأنظمة العربيّة حيثما تستطيع؟

قصّة النووي الايراني!

منذ انتصار الثورة الإيرانيّة في أواخر السبعينيات من القرن العشرين، بل قبل ذلك. منذ تطوّرها في فكر مؤسّسها الإمام الخميني، كانت لدى المؤسّس فكرة المواجهة مع كثيرين وخاصّة مع اسرائيل، وهذه المواجهة بحاجة ماسّة إلى سلاح الدمار الشامل. من هنا الرهان المبكر لدى مختلف القادة الإيرانيين للثورة على امتلاك السلاح النووي. وبالتالي انشاء مجموعة أجهزة طرد في مختلف مناطق البلاد. وكان أهمّها مفاعل»نطنز» النووي. وازدادت الشكوك في إسرائيل وأميركا حول سعي إيران إلى امتلاك سلاح نووي. وكانت المخابرات الإسرائيليّة قد كشفت عن هذه المعادلة، وعن وجود مواقع يتمّ فيها تخصيب اليورانيوم وقد أخفتها إيران عمداً عن الوكالة الدّوليّة للطاقة النوويّة.

وكانت إيران قد وقّعت اتفاقاً مع الدّول الست عام 2015 في عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما وانسحب منه الرئيس الأميركي دونالد ترامب عام 2018، وانتهكت شروطه إيران من بعد، بحيث كثَّفت أنشطتها النوويّة، وفي مقدّمها رفع درجة تخصيب اليورانيوم الأمر الذي يقرّبها أكثر من القدرة على انتاج قنبلة نوويّة. وقد أثار هذا الأمر حفيظة اليمين الأميركي في الكونغرس الذي دعا الإدارة الأميركية إلى تشديد الضغوط على طهران، وبمختلف الوسائل لمنعها من تطوير قدراتها النوويّة.

وفي الوقت عينه، كانت الدّولة الأكثر اهتماماً بهذا التطوّر، وهي إسرائيل، تكشف بالوثائق نشاطات السلطات الإيرانيّة بفعل المخابرات، وتشدّد في الوقت عينه على أنها لن تقف مكتوفة الأيدي إذا ما اقتربت إيران من امكانيّة الحصول على سلاح نووي. وأبلغت الادارة الأميركيّة أنها ستهاجم محطات التحويل الإيرانيّة بسلاح الدمار الشامل، من دون انتظار حصول إيران على هذا السلاح إذ ربّما تكون قد تأخرّت!

قصّة تفجير الأنظمة العربيّة

بالاضافة إلى سلاح الدّمار الشامل الذي ظلّ تهديداً مرفوعاً فوق إسرائيل، كإمكانيّة قائمة، عملت إيران على خط استراتيجي آخر تجاه الأنظمة العربيّة السنيّة، وهو تفجير الأنظمة العربيّة من العراق شمالاً إلى اليمن جنوباً وما بينهما.

1 - لقد سمحت السياسة الأميركيّة بتدفق الموجات البشرية الايرانيّة إلى المشرق العربي بعد العام 2003 تاريخ إسقاط أميركا لنظام صدّام حسين كخط أحمر للنظام العربي – السني في المشرق العربي. وتغلغلت إيران في داخل الأنظمة العربيّة مدعّمة للميليشيات الشيعيّة في وجه السلطات السنيّة التي كانت قد همّشت الوجود الشيعي زمناً طويلاً. وهكذا إستخدم الإيرانيّون «الحرس الثوري» لتغيير المعادلات داخل الأنظمة. وسعى هذا التنظيم ولا يزال يسعى، لإيجاد معادلات جديدة في النظام العربي عامة. والنظام الدولاتي خاصة، معتمداً على الأقليات الشيعيّة من «حزب الله» في لبنان شمالاً وصولاً إلى «أنصار الله» (الحوثيين) في اليمن (جنوباً)

2 - بعد تطوّر دور «الحرس الثوري»، وتهديده الفعلي للنظام العربي، من خلال مهاجمته للسعوديّة والامارات، وتهديد الملاحة في البحر الأحمر، أدخلت أميركا على لائحة الإرهاب موضوع «الحرس الثوري» من جانب، وضرورة ان يكون رفع الحظر عنه مرتبطاً بوقف اعتداءاته على الدول العربيّة، ولا سيما المملكة العربيّة السعوديّة حيث طاولت مسيّراته بعض المطارات والموانئ وشركات النفط، وصار من الضروري وقف مثل هذه التعديّات على المراكز المدنيّة في الدّول العربيّة. وهو ما رفضته إيران لأنّه لم يكن وارداً في الإتفاق الأساسي للعام 2015.

3 - في مراجعة متأنّية للسياسات الدّوليّة، ولدى قراءة مذكرات هنري كيسنجر، يتبيّن ان تحالف «عاصفة الصحراء» الذي حرّر الكويت من إحتلال صدّام حسين، لم يكمّل مهمته باتجاه بغداد لاسقاط صدّام حسين، ذلك أن الهدف الذي تريده وترفعه إيران، وهو إسقاط نظام صدّام حسين، جوبه من الغرب بطلب مقابل وهو: ما الذي ستقدّمه إيران لإسرائيل والغرب مقابل تنفيذ الانقلاب ضد صدّام حسين. وجاء الجواب بكل وضوح وصراحة من الغرب وإسرائيل لإيران: وهو إلغاء الثورة الإيرانيّة لأحد أهدافها الكبرى، والمتمثّل بما كان يردّده الإمام الخميني دائماً وهو «محو إسرائيل عن خريطة العالم»، وبهذا تعهدت الثورة الإيرانيّة لأميركا بوضع برنامجها النووي تحت رقابة الوكالة الدّوليّة للطاقة النوويّة.

4 - إذن القرار الحاسم اتخذ في العام 2003. واتفاق العام 2015 مع الدّول الست هو تنفيذ لهذا القرار، وفي ما عدا ذلك هو محاولات إيرانيّة استعراضيّة لا غير. إنّها سلاح تستعمله إيران لتسوّق نفسها على أنها قوّة نوويّة وهي ليست كذلك. فهي تقول الشيء وعكسه تماما. من ذلك ان استخدام السلاح النووي يناقض العقيدة الإسلاميّة، لكونه يؤدّي إلى قتل الناس على الجملة. وان النظام الإسلامي لا يقبل ان يناقض مبادئ الإسلام في الحفاظ على حياة المؤمنين. وفي الوقت الذي نكتب فيه هذا الكلام يصدر تصريح للرئيس الايراني يقول فيه: «بضرورة امتلاك طهران للتكنولوجيا النوويّة أمر لا نقاش فيه»، فكيف يمكن الجمع بين امتلاك التكنولوجيا النوويّة وعدم جواز إستخدام هذه التكنولوجيا لموجبات إيمانيّة؟

5 - يبدو ان الإدارة الأميركيّة تميل إلى التشدّد في موضوع المفاوضات مع إيران لإحياء الاتفاق النووي الموقّع عام 2015. ويشمل هذا التشدّد فرض عقوبات جديدة على إيران من جانب، والتراجع عن التوجّه الأميركي السابق لإزالة «الحرس الثوري الايراني» من لائحة التنظيمات الارهابيّة من جانب آخر، وعدم تحرير الأموال الإيرانيّة المجمدة بموجب اتفاقية 2015 لكي لا يتمّ صرف قسم من هذه الأموال في دعم «الحرس الثوري» و»حزب الله» في مشاريعهما وتدخلاتهما في قضايا المنطقة.

في الخلاصة، فإنّ مقاربة الموضوع النووي، كما موضوع الأنظمة العربيّة يضع الثورة الإيرانيّة على المحكّ. فهي مدعوّة في الوقت عينه الى ممارسة التشدّد واللّين والقبول بحلول تؤثر حكماً على مصداقيتها الاقليميّة. لذا تسعى إيران للتعويض عن الواقع باعتماد المواقف الاستعراضيّة كي تبقي لنفسها الهالة الثوريّة في مواجهة أميركا وإسرائيل والأنظمة العربيّة على حدّ سواء.

MISS 3