سامي الهاشم

السرّ الأعظم

15 نيسان 2022

12 : 36

... وأنا أصلّي وأتلو قانون الإيمان، متوقّفًا عند كلّ عقيدةٍ من العقائد الإيمانيّة الاثنتي عشرة، وممعنًا في كلّ كلمة، لفتتني كلمات ثلاث تؤلّف معًا، السرّ الأعظم:


صار، صُلِب، صعد، فقرّرت أن أكتب عن هذا السرّ بقدر ما أُعطيت من إيمان ومعرفة.


أولًا: صار إنسانًا

ما يعني أنّ ابن الله بجبروته وقدرته وعظمته وسلطانه صار إنسانًا من أجلنا ومن أجل خلاصنا، وكأنّه، بفعل محبّته العظمى لِمن خلق على صورته ومثاله، قرّر أن ينزل من السماء ويتجسّد من الروح القدس ومن مريم العذراء ويصيرَ إنسانًا عاش على الأرض حياةً مثاليةً متقشّفًا ومرشدًا ومعلّمًا ومجترحًا العجائب الكثيرة.

إذا أدرك الانسان هذه الحقيقة، عرف قيمته ومنزلته عند الخالق وأنّه المخلوق الأفضل والكائن المميّز، وإذا أخذ هذه النعمة بالاعتبار، تحوّل حكمًا إلى خيرٍ صافٍ بدون شرّ، وسلامٍ حقيقيٍّ بدون حرب، ومعرفةٍ عميقةٍ بدون جهل، نعم، هذه الحقيقة وحدَها، بأنّ الله صار إنسانًا، كافيةٌ ليغيّر مساره كلّيًّا ويتّجه نحو المحبّة والتسامح والعطاء والقناعة، نابذًا البغض والحقد والطمع والأنانيّة من حياته…


ثانيًا: صُلِب عنّا

نتوقّف عند هذا المشهد الخارق، ابن الله يُضرَب ويُعذَّب ويُهان ويُطعَن بحربة ويُصلب على خشبة العار التي تحوّلت إلى صليب المجد، ويموت ويقوم من الموت لَأمر جلَل، لا يرقى إليه الفكر البشري، وكلّ ما نستطيع قوله لمقاربة الحقيقة اعتقادنا بأنّ الانسان هو بعضٌ من الله، هو الإبداع في خلقه، هو من يستحقّ نِعَمَ الربّ الغزيرة، حتّى وصل إلى أن يصير ابنُ الله إنسانًا وأن يُصلَب من أجله!


تكفي هذه العقيدة لنؤكّدَ على أمرَين:

1. عظمتنا نحن البشر التي يسفّهها ويحوّلها بعضُنا إلى غير الغاية التي خُلقنا من أجلها.

2. محبّة الله اللامتناهية التي وصلت إلى أعظم نوعٍ من أنواع التضحية والفداء.


ثالثًا: صعد إلى السماء

المسيح تعذّب وصُلب ومات وقام في اليوم الثالث، وبعد أربعين يومًا، صعد إلى السماء، وكأنّه أعطى نفسَه دورًا خلاصيًّا كاملًا، نعم، أدّى هذا الدور، وعاد إلى السماء، داعيًا الانسان لأخذ العِبر من مجيئه إلى الأرض وصلبه وموته وقيامته وصعوده إلى السماء،

ومن أجمل العِبر في مسيرته الخلاصيّة:

المحبة، الصدق، التواضع، التقشّف، المثاليّة، النموذجيّة، التعليم، الارشاد، الهداية، الخير، التسامح، الغفران، العطاء، التضحية، وأعظمها جميعًا الفداء.

وهنا نتساءل:

هل تعلّم الانسان شيئًا من هذه المبادئ؟

هل استنار بضوئها؟

هل عمل بموجبها؟

هل اهتدى إلى غاية وجوده؟

هل هو مستعدٌّ للتخلّي عن سلوكيّاته البغيضة؟


الجواب واضحٌ وصريح:

- أقليّةٌ من الناس عملت وتعمل دائمًا بموجبها وهي نموذجٌ يحتذى ومدرسة للإنسان الحكيم.

- وأكثريّةٌ ما زالت تتخبّط في وُحول الخطيئة وتعمل عكس تعاليم المسيح، تجعلنا نقول إنّ تضحياتِه وتعاليمَه لم تفعل فعلها بعد، وما الحروب والثورات والتعدّيات والأطماع والخطايا، مدى التاريخ، إلّا دليلٌ على صحّة ذلك.


الخلاصة:

صار إنسانًا، صُلِب عنّا، صعد إلى السماء، ثلاث عقائد تقوم عليها الديانة المسيحيّة السمحاء،

- ليتنا نتّعظ ونعتبر ونتعلّم أنّ تضحيات المسيح جاءت لخيرنا وسلامنا والأمان،

- ليتنا نقتنع بأنّ خيرات الدنيا تكفي وتزيد عن متطلّباتنا والحاجات،

- ليتنا نؤمن بأنّنا إذا عملنا بوحي تعاليم المسيح نصبح حتمًا في عالمٍ أفضل،

- وليتنا نستطيع أن نحوّل الكرة الأرضيّة الملتهبة في أكثر من مكان إلى واحة فرح وسعادة وسلام.

MISS 3