باسمة عطوي

أحزاب المنظومة تتبادل الاتهامات وتتنصّل من مسؤوليات الأزمة

"الاقتصاد"... مادة امتحان صعب كفيل برسوب معظم المرشحين للانتخابات... ولكن!

19 نيسان 2022

02 : 00



يأتي استحقاق الانتخابات النيابية بعد مضي أكثر من سنتين ونصف السنة على اندلاع إحدى أكبر الأزمات المالية في العالم. وفي المشهد الانتخابي خليط من الخطابات والشعارات التي يتضارب فيها الحابل بالنابل من دون تبيان حقيقة البرامج الاقتصادية الرامية الى مواجهة الازمة بشكل منهجي، كفيل بوقف الانهيار ومعالجة بعض التداعيات، ومن ثم الانطلاق بخطة تعاف اقتصادي متوسطة وطويل المدى.

والواضح أن لا تشخيص كاملاً لأسباب الأزمة من اي جهة سياسية لا سيما تلك التي شكلت منظومة الحكم منذ ما بعد الطائف. أما الاطراف الاخرى التي دخلت في معادلات الحكم لاحقاً فتفتقد هي الأخرى القدرة على التمييز والتصويب لأنها شريكة كاملة الدسم في ما آلت اليه البلاد لا سيما توالي التعقيدات بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

ليس أمراً عادياً ألا يحتل الوضع الاقتصادي بمشكلاته المتشعبة وكيفية الخروج منها بأقل خسائر ممكنة على اللبنانيين، حيزاً حقيقياً يتمتع بمصداقية في خطاب القوى السياسية تجاه جمهورها ونحن على أبواب الانتخابات النيابية. بل على العكس تماماً نجد أن الأزمة المالية والمعيشية بكل أهوالها التي سقطت على رؤوس الشعب اللبناني منذ أكثر من عامين، لا يُقاربها الخطباء من على المنابر الإنتخابية إلا بعبارات تتهم الآخر وتتنصل من المسؤولية، وسرعان ما يقفزون عنها لإجترار معزوفة خطابية مُكررة منذ سنوات إن لم نقل منذ عقود، والتأكيد على تاريخية الإنتخابات ومصيريتها وواجبهم الشرعي والاخلاقي والوطني فيها وأهميتها في تحديد مستقبل البلاد، وضرورة المشاركة الكثيفة لئلا يتمكن الخصوم من الحصول على أغلبية في المقاعد تهدد وجودهم الحزبي والطائفي على السواء.

والمفارقة أن هذه القوى التي شاركت في الحُكم على مدى السنوات الماضية وهي مسؤولة بشكل أو بآخر عن الإنهيار الاقتصادي الحاصل، لا تجد نفسها مُلزمة بتقديم شرح أو تشخيص سليم للأزمة الاقتصادية الحاصلة لجمهورها الذي تدعوه إلى إعادة إنتخابها، ليعرفوا على الأقل لماذا هم موجودون في هذه «الجهنم» التي يحترقون فيها يومياً، ولا تُقدم له مقاربات للحلول أو سكة حل للخروج من نفق الأزمة الذي وضعتهم فيه. بل على العكس تماماً فإن المهرجانات الإنتخابية الفولكلورية لا تجيب على أسئلة الناخب بوضوح ووعود فعالة ملزمة حول همومه الحياتية والمعيشية، ولا على أسئلته المستقبلية المُقلقة التي تتعلق بإمكانية الخروج من مأزق هذا الإنهيار الكارثي غير المسبوق في تاريخ لبنان.

لا شك في أن غياب الشق الاقتصادي وسُبل حلول الأزمة عن برامج القوى السياسية دليل عجز وعدم فهم لمدى الكارثة الاقتصادية التي يعيش فيها اللبنانيون. وأيضاً دليل إستهتار وإتكالية بأن القوى الخارجية والمجتمع الدولي وصندوق النقد ستنبري لإنقاذ لبنان على جري العادة، والامثلة عديدة منها وعود رؤساء اللوائح والاحزاب شبه اليومية بأن دولاً وأصدقاء لبنان سيعمدون إلى ضخ المليارات، وأن دولار السوق السوداء سينخفض بمقدار كبير بمجرد أن لوائحهم ستفوز في الانتخابات. لكن الحقيقة المُرة الاخرى التي يعكسها هذا الخطاب الذي تتشاركه معظم القوى السياسية أن المجلس النيابي المقبل قد يكون مستهتراً ولامبالياً بحقوق اللبنانيين المالية والاقتصادية، لأن هذا ما يعكسه سلوكهم وكلامهم وبرامجهم الانتخابية قبل الوصول إلى البرلمان.

هذا السلوك «اللامبالي» الذي تنتهجه الطبقة السياسية تجاه الازمة الاقتصادية، خصوصاً في فترة الانتخابات التي من المفروض أن تكون فرصة لإزالة أي إلتباسات بينها وبين جمهورها، تجعل البحث مشروعاً عن إيجاد تفسير إجتماعي- سياسي لهذا السلوك، أما الاجابات فهي من زوايا مختلفة ولكنها تلتقي حول نقطة أساسية وهي أن إطمئنان هذه الطبقة بأن العنصر الطائفي والمذهبي هو الذي سيتغلب على الإعتبارات الأخرى لدى الناخب اللبناني في صندوق الاقتراع.


طلال عتريسي



عتريسي: يخوضون الانتخابات من دون الاعتراف بمسؤوليتهم عن الانهيار

يؤكد الباحث الاجتماعي والسياسي الدكتور طلال عتريسي لـ»نداء الوطن» أن «عدم إعتراف القوى السياسية والاقتصادية بحقيقة ما جرى على المستوى الاقتصادي والانهيار المالي وإختفاء أموال المودعين، يطرح أكثر من علامة إستفهام حول الإعتراف بالمسؤولية عما جرى»، مشدداً على أن «الإقتصاد لا ينفصل عن السياسة والسياسة لها علاقة بإدارة الاقتصاد، وبالتالي معظم هذه القوى السياسية والاحزاب والمنظمات تتحمل مسؤولية ما جرى ويجب أن تعترف».

يضيف: «عدم الاعتراف هذا يعني أنهم (أي الطبقة السياسية والاقتصادية) لا يريدون تحمل المسؤولية لأنه لا يمكن أن يحصل ما حصل بشكل مفاجئ، بل هو نتيجة تراكم وسياسات إقتصادية ورؤى سياسية في هذا الاقتصاد طوال عقود»، مشيراً إلى أن «المسألة تبقى بالنسبة لهم في إطار الإحتمالات بأن مصرف لبنان أنفق أموال المودعين وأن الدولة هي المسؤولة وعوامل أخرى، علماً بأن الإعتراف بالمسؤولية تترتب عليه تداعيات سياسية وإقتصادية».

يرى عتريسي أن «القوى السياسية لا تملك رؤية للخروج من المأزق ولا تطرح بدائل واقعية، فتارة يطرحون أن على المودعين أن يتحملون كامل المسؤولية وتارة أخرى يحملونها للدولة، ومنهم من يطرح بيع أصول الدولة وآخرون يريدون تحميل الخسائر للمصارف»، لافتا إلى أن «هذا التخبط يعني أن هناك مجموعة أفكار لا يطبّق منها شيء ولا أحد يحدد الطريق الأنسب والأقصر للخروج من المأزق. بل هناك محاولة هروب من الواقع وعدم الإقرار بأن ما حصل فيه جزء كبير من الفساد في الادارة والاقتصاد. ولذلك فالآمال معلقة على الخارج، أي أن يأتي صندوق النقد لتقديم قرض وبعدها ننتظر لنرى ما سيحصل، هل سننتقل إلى مرحلة التعافي التدريجي أم سيعيش الناس مشاكل إجتماعية - إقتصادية أقوى؟».

يشدد عتريسي على أن «التفسير الاقتصادي لما جرى والحلول المقترحة غائبة أيضا عن معظم برامج المرشحين حتى الذين يطرحون أنفسهم كبديل عن السلطة الحاكمة، كما أن هناك فقداناً للرؤية الإقتصادية لأن الوضع يشمل كل الذين شاركوا في الحكم في المراحل السابقة، فمن يستطيع إتهامهم أو إقصاءهم أو طرح الاسئلة عليهم؟»، لافتا إلى أن «ما يحل مكان التفسير وإقتراح الحلول هو التحريض على الخصوم السياسيين. ونحن نعرف أن العوامل المذهبية والطائفية هي الحاضرة، وجزء من النقاش يدور حول ميثاقية الإنتخابات وحضور بعض القوى أو غيابها، والبرامج الإنتخابية لم تحمل حلا للمشكلات الاقتصادية لأن قانون الانتخاب على أساس طائفي ومذهبي».

ويختم: «التنافس وتشكيل اللوائح يتمّان على هذا الأساس وما يجري هو إخافة الجمهور أنه في حال لم يتم إنتخابهم بأن طرفا آخر سينجح ويحل مكان مرشح حزبهم».



نبيل خوري



خوري: عاجزون عن طرح الحلول لأنهم أدوات وليسوا أصحاب قرار

يفسر الدكتور نبيل خوري (ناشط إجتماعي وسياسي) الخطاب الضبابي للقوى السياسية تجاه الوضع الاقتصادي الحاصل في لبنان من زاوية أخرى. ويقول لـ»نداء الوطن بأنه «ناتج عن عدة أسباب وهي موجبة وحقيقية وثابتة، وأولها أن لا أحد من القوى السياسية لديه القدرة على طرح أي حل لأنه لا يملك المعطيات الكافية، ولأنه خاضع لمشيئة إرادات دولية تمنعه من ولوج مسلك الحل»، مشدداً على أن «هناك قرارات بتركيع لبنان. وهذه القرارات لم تسمح لأي من الاطراف السياسية أن يطرح أي فكرة إنطلاقا من قاعدة إصلاحية، وطالعنا عدد كبير من النواب بأنه سيسمي الاشياء بأسمائها وسيطرح ملفات وسيفضح كل شيء، ولكن إلى الآن لم يتم إتخاذ أي خطوة».

يضيف: «بشرتنا أحزاب بمعارك إصلاحية وتغييرية ولم نشهد شيئا حتى الآن، كما أعلن خبراء إقتصاديون وماليون عن مشاريع حلول لم ينتج عنها شيء حتى اليوم. لأن لا أحد يمتلك حق القرار أو حتى المشاركة في أخذ القرار، أو لا أحد يستمع إلى رأي الدول الصغرى إنطلاقا من القاعدة القائمة في العالم»، مشيراً إلى أن «السبب الثاني أن لا أحد من القوى السياسية يريد فضح الأخرى لأن «الشيخ زنكي» دُفن بالتعاون والتعاضد بين جميع الاطراف، وكل واحد يغطي على الآخر إنطلاقا من قاعدة إذا فضحتني افضحك، ولذلك التمييع هو سيد الموقف والناس هي التي تدفع الثمن».

في المقابل يرى خوري أن «الجمهور منقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم يسترزق من الفساد وهم الاكثرية، وهو يعرف أن زعيمه فاسد، وأن كل الذين «وصلوا» من خلال زعيمه فاسدون، ويعرف أنه يعتاش من خلال هذا الفساد هو وعائلته. وبالتالي في حال مكافحة هذا الفساد لا يجد أي وسيلة يعتاش منها ولذلك هو تابع». «الفئة الثانية تتشكل من الحالمين بالحلول، وأنه سيحل يوم يعيش فيه في لبنان بكرامته ولن يعود يفكر بالهجرة. وهذه الفئة بدأت تستشعر أنها يوما بعد يوم تعيش مجموعة أوهام غير قابلة للتحقيق». ويشير إلى أن «الفئة الثالثة هي فئة المسيسين والممذهبين والطائفيين والذين يرتكز وجودهم على معايير وموازين إخترعها زعماء ضمن مبدأ ثلاثي الابعاد، وهو: نجوّعكم ونحوّل أنفسنا إلى محسنين، ونجهّلكم ونحوّل أنفسنا إلى موجهين، وفي حال فشلتم في هذين العاملين نطيّفكم ونحرضكم طائفيا لتصبحوا لنا تابعين».


منى فياض



فياض: هاني قبيسي هدد فرانسوا باسيل والكل جدد للحاكم رياض سلامة

تشرح الدكتورة منى فياض (ناشطة سياسية وأستاذة مادة علم النفس في الجامعة اللبنانية) غياب المشكلة الاقتصادية عن الخطاب الانتخابي للقوى السياسية، إنطلاقا من تهرّب تلك القوى من تقديم أي عنصر يمكن أن يحمّلها المسؤولية عما جرى. وتقول لـ»نداء الوطن» أنه «لو تركز خطاب القوى السياسية على الإنهيار الاقتصادي الذي حصل مع شرح أسبابه، لكانوا قدموا دليلا على إدانتهم، لأنهم كانوا موجودين في السلطة طوال العقود التي سبقت الازمة من دون أن يعترضوا أو يقوموا بأي خطوة أو تدبير يقلص حدة الازمة التي نتخبط فيها». لافتة إلى أن «الجميع يذكر أنه في نهاية العام 2015 حين نبّه رئيس جمعية المصارف فرنسوا باسيل آنذاك من أن المصارف لم يعد بإمكانها إقراض الاموال للمصرف المركزي لكي يتمكن بدوره من إقراض الدولة، هُدد من قبل نائب كتلة «التنمية والتحرير» هاني قبيسي. أما باقي الكتل النيابية فلم تحرك ساكنا أو البحث عن أصل المشكلة».

وتشير إلى أنه «بعد إنتخاب رئيس الجمهورية في العام 2016 لم يطلب أي طرف بإتخاذ تدابير بحق مصرف لبنان بل على العكس تم التجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة من دون إعتراض. وهذا يعني أن القوى السياسية هي أشبه بقبائل إشتركت بقتل الوضع الاقتصادي لأنهم لا يربطون بينه وبين هيمنة السلاح غير الشرعي، لأن من الاصلاحات الاساسية التي يطلبها صندوق النقد هو ضبط موارد الدولة وإغلاق كل مسارب الفساد والتهريب، وكان بإمكان القوى السياسية القيام بذلك لو أرادت».

ترى فياض أن «القوى السياسية تحاول (في الوقت الذي بات واضحا أن «حزب الله» يضع يده على قرار البلد) التصويب على الأسهل من دون أن يتحدثوا عن خطتهم لمواجهة هذا الحزب، لأنه سيكون شريكهم في نفس المجلس. ولن تكون هناك أي ضمانات بإقرار أي قانون إصلاحي يمكن أن يقدموه إلى مجلس النواب بل يمكن أن يوضع في أدراج المجلس على غرار عشرات القوانين السابقة»، معتبرة أن «الانتخابات المقبلة ستُحدد أحجام القوى السياسية تجاه بعضها البعض من دون أن يكون هدفهم العمل على تغيير الوضع الاقتصادي أو أنهم قادرون على ذلك، حتى القوى التغييرية لا نعرف ما يمكن أن يفعلوا في ظل هذا الوضع». وترى أنه «لا يمكن القبول بتمثيلية أن قسماً من القوى السياسية لا يستطيع التصدي للمشكلة الاقتصادية، وقسماً آخر منها لا يريد. والدليل أن «حزب الله» جمع مؤخراً حليفين له كان من المستبعد جمعهما (الوزير السابق سليمان فرنجية والنائب جبران باسيل)». معتبرة أنه «حين يتحول اللبنانيون إلى متسولين عندها يمكنهم القبول بأي مساعدة من القوى السياسية ومن ثم يعاودون إنتخابها، بالرغم من أنها شاركت في الإنهيار الاقتصادي وهرّبت أموالها إلى الخارج».



انطوان مسرّة



مسرّة: أي انتخابات واي اقتصاد في دولة ناقصة السيادة بسبب الاحتلال الإيراني؟

يقسم الدكتور أنطوان مسرّة (دكتور في علم الاجتماع وعضو سابق في المجلس الدستوري) القوى السياسية إلى قسمين، قسم يعتبر أن خطابه السياسي يعبّر عن رؤيته الاقتصادية ويشرح أسباب الانهيار ولو ضمنيا، وقسم آخر لا يزال ينتهج الحديث عن المشكلة الاقتصادية بشكل عام ومن دون تفصيل إنطلاقا من حسابات سياسية. ويقول لـ»نداء الوطن» إنه «من المهم قراءة البيانات الخطابية والبرامج لكل اللوائح الانتخابية اليوم، لأنها مؤشر لدرجة الوضوح للمواقف السياسية. إذ توجد لوائح يتضمن بندها الأول إستعادة سيادة لبنان أي أن يكون في لبنان جيش ودبلوماسية وإنتماء عربي حسب مقدمة الدستور ومقاومة الاحتلال الايراني». لافتا إلى أن «القضية الاقتصادية بالنسبة لهم هي رديفة لهذا الموضوع على إعتبار أنه لا يستقيم أي دستور أو إقتصاد أو إدارة عامة إذا كانت الدولة فاقدة السيادة». ويشير إلى أن «غياب التفسير الاقتصادي لما جرى لدى أصحاب هذا الخطاب على إعتبار أن السبب معروف وواضح جدا لكنه مطموس في الخطاب الشعبوي، وهو أن لا مستقبل إقتصادياً من دون الرئة العربية. والسبب الثاني أن إفقار لبنان هو نتيجة إستراتيجية إقليمية للهيمنة وإستتباع اللبنانيين وجعلهم خاضعين للزبائنية السياسية». يضيف: «إلى جانب ذلك الخطاب السيادي هناك خطاب سياسي يتطرق إلى الموضوع الاقتصادي بشكل جانبي ومُصاغ بشكل مبهم ومموه ومدرج ضمن عموميات من الدرجة العاشرة. وهذا موضوع خطير جداً، ويُعبر عن ذهنية لبنانية تعتمد على المجاملة والمسايرة وأنهم على مسافة واحدة من الجميع والتموضع في شؤون أساسية جوهرية». ويختم: «يقتضي على الناخبين أن يكونوا واعين لأقصى الحدود للتمييز بوضوح بين لوائح تحدد ما هي مصيبة لبنان اليوم، وما هي المعالجات الفعلية وتلك التي تمارس التموضع والمسايرة، وما نعيشه اليوم من كارثة وجهنم هو نتيجة مساومات على قضايا جوهرية تتراكم مع الزمن ثم تنفجر».


MISS 3