د. ميشال الشماعي

كلّن عم يحكوا تركي... وحدا بكركي بتحكي صحّ

20 نيسان 2022

02 : 00

جسّدت كلمات البطريرك الراعي في فترات العيد خريطة طريق لاستعادة سيادة وهيبة الدولة، وذلك بعد التدمير الممنهج الذي تعرّضت له بشكل شبه كامل، من قبل دويتو المنظومة والمنظمة الحاكم، بعد انقلابه على الدولة اللبنانية بالفعل الديمقراطي. لكن ما كان صالحاً قبل 17 تشرين 2019 لم يعد صالحاً اليوم. وذلك لأنّ الناس باتوا على بيّنة مطلقة من الذي أوصلهم إلى هذا الدرك؛ وهم يترقّبون الفرصة المناسبة ليتخلّصوا من هذا الوضع الذي باتوا فيه. ولا عودة إلى أيّ وضع سليم إلا من خلال الدستور اللبناني، وهنا بيت القصيد. لذلك تشكل الانتخابات المحطة المفصلية التي بوساطتها ممكن التغيير.

‏ولعلّ خريطة الطريق هذه ستكون القاعدة التي بالإمكان الاعتماد عليها للوصول إلى الخلاص المنشود في لبنان، بعد هذا الوضع الذي وصلنا إليه اليوم، ومعلوم كيف، شرط وحدة القرار، لا سيّما قرار الحرب والسلم، والسلاح وحصريّته بيد القوى المسلحة اللبنانية الشرعية فقط لاغير، من دون أن يكون السلاح موجوداً بيد أي حزب آخر، لا سيما «حزب الله»، ولا حتّى تحت مسمّى المقاومة الاسلاميّة في لبنان. وما لا شكّ فيه أنّ الناس ليسوا في وارد تكرار الخطأ نفسه الذي وقعوا فيه في العام 2005 بعد الخديعة الكبرى التي نجح فريق «التيار الوطني الحرّ» في زجّ لبنان بأسره في أتانين طموحاته الرئاسية. وهذا ما جعل الدولة بأسرها عقيمة غير قادرة على الإنتاج مع طبقة سياسية ارتاحت إلى هذه الحالة، لتنصرف كليّاً إلى صفقاتها المشبوهة من الكهرباء إلى ترسيم الحدود وما بينهما.

ولا يمكن التغاضي عن الأهميّة التي توليها بكركي لعملية الانتخابات النيابية؛ لأنّها تؤمن بلغة السلام والحوار لا بلغة الحرب والاقتتال. ولقد رسم غبطته طريق الخلاص، وعلى اللبنانيّين أن يؤمنوا أولاً بقدرتهم على التغيير. من هنا دعوة بكركي إلى المشاركة الكثيفة في هذه الانتخابات لمصيريّتها. حيث ستعيد إنتاج هذه السلطة. وشدّد غبطته على تكوين كامل للسلطة السياسيّة من مجلس نوّاب ورئيسه وهيئته وصولاً إلى الحكومة، وذلك ليكون لبنان الدّولة مكتملاً عند زيارة قداسة البابا المرتقبة في 12 حزيران المقبل.

ويبدو أنّ الأفرقاء اللبنانيّين جميعهم باتوا مقتنعين بالانتخابات النيابيّة وبمن فيهم «حزب الله» لأنّه وبحسب تقديرنا إنّ تداعيات تطيير الانتخابات ستكون أقسى بكثير على الحزب من أيّ خسارة محتملة له. ويبدو أيضاً أنّه مطمئنّ لتسكيره بيئته الانتخابيّة للحدّ من أيّ خرق محتملٍ فيها. وهنا يظهر دور القوى الثورويّة التغييريّة التي إن لم تتبنَّ الخطاب السيادي فلن تتمكّن من تحقيق أيّ خرق يُذكَر. وهذا ما يثبت صوابيّة الخطّ السيادي الذي يخوض الانتخابات النيابيّة مجتمعاً.

بذلك كلّه، يُصبِحُ الرهان اليوم حولَ مَن يستطيع تحقيق الأكثريّة البرلمانيّة؟ هل سيتمكّن «حزب الله» وحلفاؤه من أن يحصد الأكثريّة التي قد لا تتعدّى السبعين نائباً بحدّها الأقصى؟ أم أنّ الفريق السيادي ومعه «القوّات اللبنانيّة» سيتفوّق مع حلفائه ليحقّق الأكثريّة النيابيّة المرتقبة؟ ما لا شكّ فيه أنّ الأكثريّة المطلقة في نظام تعدّدي كلبنان صعبٌ جدّاً تحقيقها؛ لذلك خطّة الحزب تكمن في تحقيقها عبر السيطرة على رئاسة المجلس من قبل حليفه، وتقويض الحكومة بقوّة فائض سلاحه غير الشرعي. وبذلك يكون قد حقّق أكثريّة مطلقة في الحكم وليس في المجلس.

لكنّ ذلك لن يتحقّق له لأنّه لا شيء محسوم، وقد تكون المفاجآت السياديّة سيّدة الموقف. فما حدث من اعتداءات على بعض مَن تجرّأ وقرّر خوض الانتخابات في عقر الثنائي الشيعي أي الجنوب اللبناني هو خير دليل على إمكانيّة تحقيق خرق في العمق الشيعي. وهذا ما يعني بدء تحرّر الشارع المخطوف من «حزب الله». لذلك يعمل بكلّ ما أوتي من قوّة لتحقيق هذه الأكثريّة من المسيحيّين والسنّة ببثّ أجواء محبِطَة في هذين الشارعين لخفض الحاصل، حتّى يتمكّن الحزب من تحقيق انتصاره في عمق هاتين البيئتين. فأيّ تدنٍّ بالتصويت يخدم خطّ إيران ويعطيها شرعيّة ميثاقيّة في غير بيئتها.

من هنا أتى خطاب بكركي التي «من عرْكي لعرْكي، لا زيتا ولا نورا شحّ، كلّن عم يحكو تركي، وحْدا بكركي بتحكي صحّ». ولا يمكن فرملة هذا التقدّم إلا من بوّابة بكركي. وكلّ مَن لن يلتزم بخريطة طريق بكركي سيكون مسؤولاً أمام الله والتاريخ والوطن عن تدمير لبنان التاريخ، وستشكّل ضربة قاسية للكيانيّة اللبنانيّة على حساب كيانيّة جديدة بشّرنا بها «حزب الله» على لسان نائب أمينه العام، تبدأ في المجالات التربويّة ولا نعرف لا كيف ولا متى قد تنتهي. ومَن له أذنان للسماع فليسمع.


MISS 3