جان كلود سعادة

رسالة إلى الأمم المتحدة عن أسوأ أزمة في لبنان

21 نيسان 2022

02 : 00

حضرة أمين عام الأمم المتحدة انطونيو غوتيريش،

نحن مواطنون لبنانيون نعيش منذ مدة طويلة سلسلة من الأزمات المتتالية إلى درجة ما عاد هناك نوع من المشاكل أو الحروب تشكّل مفاجأة أو صدمة لنا. لكني اؤكّد لكم ان هذه الأزمة الأخيرة التي نعيشها هي الأسوأ على الإطلاق فلم نرَ ولم نسمع شيئاً مماثلاً لهاً لا في لبنان ولا في العالم.

لا حاجة للإطالة بالشرح عن الوضع القائم فجميع منظمات ومؤسسات الأمم المتحدة موجودة في لبنان وترسل لكم تقاريرها دوريّاً. وخلال زيارتكم الأخيرة للبنان كان توصيفكم للوضع القائم أدق وأوضح من تصاريح المسؤولين المحليين.

نكتب إليكم هذه الرسالة لنطلب منكم ومن الأمم المتحدة بجميع مؤسساتها وتحديداً مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية والمجلس الإقتصادي الإجتماعي التدخل لوقف أكبر عملية إبادة إقتصادية يتعرّض لها شعب بكامله وذلك عبر إدارة مجرمة وعاجزة نهبت البلد أيام الوفر وتحاول الآن الإجهاز عليه بإعتماد سياسة الإنهيار المتعمّد والبطيء منذ تشرين الأول 2019.

تعلمون، سيادة الأمين العام أن لبنان مرّ بخمسة عشر عاماً من الحروب ما بين 1975 و 1990 اختلطت فيها الصراعات المحليّة بالتدخلات الأجنبية والإجتياحات الخارجية، لكن الوضع الإقتصادي لم يصل يوماً إلى درجة البؤس وانعدام الأفق الذي نراه اليوم. انتهت الحرب الأهلية أو هكذا ظننّا وهاجر الكثيرون للعمل في الخارج وإرسال الأموال إلى لبنان بينما كانت المنظومة تخطط عن سابق تصوّر وتصميم لأن تستولي على مال الدولة العام وتنهب مال الناس الخاص، ووضعت ايضاً الخطط لخروجها الآمن مع ثرواتها بعد ان تحرق كل شي لإخفاء الجريمة ومنع المحاسبة.

مرحلة التقاعد من الوظيفة العامة

الشعب اللبناني بمجمله وخصوصاً الفئات المتقدمة بالعمر والتي وصلت إلى مرحلة التقاعد من الوظيفة العامة والخاصة أو الأسلاك العسكرية أو عملت في الخارج وعادت لتتقاعد في لبنان، تواجه حالياً عملية إبادة إقتصادية عبر سرقة مدخراتها وودائعها وإبادة جسدية مباشرة عبر حرمانها من حقوقها الأساسية بالطبابة والدواء والأكل والشرب والتنقل. كل هذا البؤس الذي نعيشه الآن ليس من باب التضحية وشد الحزام لفترة محدّدة بهدف إعطاء فرصة لتنفيذ خطّة ما لإصلاح البلد وتطويره، إنما هو بؤس مجّاني وفي سبيل أن تتمكن المنظومة المالية والسياسية التي حكمت لبنان منذ بداية التسعينات وقامت بتنظيم أكبر عملية سرقة منظمة في التاريخ أن تنفذ بفعلتها دون محاسبة ولا تحمّل مسؤوليّات.

تقاسمت هذه المنظومة موارد الدولة والقروض الخارجية والمال العام ثم نظمت أكبر مخطط «بونزي» في تاريخ البشرية لسرقة الأموال الخاصة ومدخرات ملايين اللبنانيين الشرفاء، الذين عملوا بجهد لتأمين تقاعدهم في دولة لا تؤمّن شيئاً لمواطنيها سوى العثرات والحفر على أنواعها.

وصلت هذه المنظومة الآن إلى المرحلة الأخيرة من سيناريو خروجها هي من الأزمة بينما تترك البلد ليغرق بما ومن فيه. فبعد أن جنت الثروات وحولتها إلى الملاذات الضريبية والحسابات الخارجية كما إلى أملاك وعقارات لا تحصى وسبائك ذهب وألماس، أطلّت على الشعب المسروق بنظرية مجرمة تدّعي إفلاس الدولة والمصرف المركزي وعدم كفاية رساميل المصارف في تغطية الخسائر، وبالتالي محاولتها تحميل المودعين والشعب عامة نتائج الفساد والسرقات المتمادية.

مجموعة ذكية في النهب

هذه المجموعة الذكية في النهب والسرقة والغبية في إدارة الأوطان وبناء الثقة للمستقبل ترفض أن ترى الدمار المعنوي والأخلاقي والمادي الذي أنزلته على لبنان وشعبه، وكل ما تسعى إليه هو حماية نفسها من الملاحقة القانونية بعدما انتفخت جيوبها وخزائنها بالغنائم.

لذلك نكرر لكم حضرة الأمين العام، أن ما يحصل في لبنان لا يقل أبداً عن عملية تهجير قسري وإبادة اقتصادية جماعيّة لشعب بكامله. فنطلب تدخلكم المعنوي كما نطلب تطبيق القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يقرّ بحق الأفراد والمجموعات بأن يكونوا أحراراً، ومتمتعين بالحرية المدنية والسياسية ومتحررين من الخوف والفاقة لتمكين كل إنسان من التمتع بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية. كما نطالب بتحويل الجرائم الإقتصادية والإنسانية المرتكبة بحق الشعب اللبناني إلى مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية، ليصار إلى اتّخاذ الإجراءات المناسبة لملاحقة جميع الذين خططوا وهندسوا وسهّلوا وشاركوا في عمليات الفساد وسرقة المال العام ومدخرات اللبنانيين على مدى عقود ومساعدتنا على إسترداد كامل حقوقنا.

JeanClaudeSaade @