شربل داغر

حبل السرة السياسي

22 نيسان 2022

02 : 01

من ينتقل في مناطق لبنانية مختلفة، وتكون أذنُه متنصتة أو متدربة على أحوال اللسان الواحد، في لهجاته ولكناته، يتحقق من وجود بيئات لغوية متعددة.

وهي اختلافات لا تنحصر في محافظة أو قضاء، أو في طائفة بعينها، وإنما في مجال سكاني اعتاد أهلُه على التداول والتفاعل في ما بينهم.

ولعل مثال اللهجات يُشبه (في بعض الأحوال اللبنانية) أحوال ما نسميه في علم الاجتماع السياسي: الانشدادات.

هذا التعبير أدق من الحديث عن الهوية، والعصبية وغيرها، على ما أرى.

فالانشداد يعني المَيل والخوف والتعصب والقبول بسلطة المجموع على الفرد فيه.

وهو ما يلقاه المتابع في كثير مما يَظهر من تجليات السياسة، ولا سيما عشية الانتخابات النيابية المقبلة. فمع الانشداد، يسقط الوعي الثقافي والسياسي والغنى أو الفقر الفردي لصالح ما يشبه حبل الوريد، إذا أمكن القول.

وهو الحَبْل عينه الذي يجعل الفرد منقاداً إلى مجموع، ويجعل المستفيدَ من "ركوبِ" المجموع وارثاً أباه أو جده.

وليس أظهر على ما أقول سوى تنقلِ الورثة بين المواقف المختلفة من دون حساب أو مساءلة ممن ينقادون لهم.

هذا ما يُسمى: الزلم، ومنه: الاستزلام. أما من يقود المجموع، فهو يعمل على تأكيد موقعه، واستمراره، ويتنقل تبعاً لمصالحه قبل مصلحة أي قضية أخرى.

حتى الوطن، يصبح شأناً مصلحياً بالمعنى الضيق للكلمة.

لهذا لا يعنيني كثيراً ما يقوله هذا المرشح من مواقف، إذ إن الواحد منهم يتنقل من دون خجل أحياناً من الموقف إلى نقيضه. أما المشترَك في المواقف المتبدلة فهو إدامة الموقع، ولو بنقد سياسات من أورثَه الموقع.

ومن يدقق في سِيَر أعداد من النواب الحاليين، ومن المرشحين الجدد، يتحقق من أنهم "ورثة" ليس إلا، ولا يكفي، في هذه الحال، البحث في خطاباتهم ومواقفهم وتصريحاتهم.

حتى إن قيادات أحزاب وأحزاباً، و"شخصيات" و"زعامات"، تقتدي بحبل السرة هذا، وبتجديده، وإدامته.

لهذا فإن مكونات أساسية في السياسة تبقى في مجتمع الأهل، لا في خطابات السيادة، والديمقراطية، و"الثورة" وغيرها.

ولهذا يبقى ما يجري في المجتمع، في المجاميع الانشدادية، ما يفسر أحوال السياسة وصعوبات أي تغيير.

ولهذا يبدو غالب اللبنانيين موحدين ومختلفين مثل لهجات مختلفة في لسان واحد ومشترك.


MISS 3