خالد أبو شقرا

فحيلي: بداية الحل في الفصل بين حسابات المودعين

26 نيسان 2022

02 : 00

محمد فحيلي

تنطوي الخطط الاقتصادية الحكومية على طروحات خاطئة في المبدأ وفي الحساب، لكيفية معالجة عملية «السطو» على الودائع المصرفية. ففي المبدأ تنطلق كل الخطط من إرجاع الودائع، فيما المطلوب هو المحافظة عليها، وضمان وجودها في القطاع المصرفي. أما في الحساب، فان معاملتها باختلاف أحجامها وأنواعها، ومدى استفادتها من الهندسات المالية، بنفس الطريقة، يحمل ظلماً كبيراً، ويؤسس لـ»لاعدالة» تاريخية.



تحدثت الخطة الاخيرة، أو ما أصبح يعرف بـ»ورقة التفاهم مع صندوق النقد الدولي»، عن ضمان إرجاع الودائع لغاية 100 ألف دولار. ما يعني أن هناك نحو 80 مليار دولار لن يتم إرجاعها، أقله بقيمتها الحقيقية، من أصل ما تبقى من ودائع بقيمة تناهز 103 مليارات دولار لغاية الآن. ومع النية بشطب 60 مليار دولار من ميزانية المركزي، 40 ملياراً منها ستخصم من الودائع، فان المودعين سيخسرون نحو 40 مليار دولار بشكل مباشر من ودائعهم، والمبلغ المتبقي المقدر أيضاً بنحو 40 ملياراً لن يعاد بقيمته الحقيقية.

«بغض النظر عن الخطأ المبدئي في هذه العملية، فباستطاعة واضعي الخطط الطلب من المصارف فصل الحسابات التي لم تستفد من الفوائد الباهظة والهندسات المالية عن تلك المستفيدة، وحمايتها بعدم الاقتطاع منها»، يقول خبير المخاطر المصرفية د. محمد فحيلي، فـ»هناك على سبيل الذكر لا الحصر، مبالغ وأرصدة مرتفعة جداً لم تستفد من أي فوائد لانها ببساطة حسابات جارية للمؤسسات. وعليه، إن كنا نتحدث من الناحية التقنية عن إمكانية تمييز الحسابات ومعاملتها بحسب الاستفادة من الفوائد فهو أمر ممكن. ولكنه يتطلب تجاوباً من المصارف التجارية لتأمين قاعدة البيانات التي على أساسها يتم تحديد الودائع التي يجب الاقتطاع منها الفوائد المتراكمة خلال السنوات الماضية.

إسترجاع المبالغ المهرّبة

هذا الطرح المنطقي يصطدم من وجهة نظر فحيلي «بعقدة لا تقل خطورة تتعلق بالحسابات المهربة منذ العام 2017، والتي استفادت من الهندسات المالية والفوائد المرتفعة، والمرجح أن يكون جزء لا بأس به منها يعود إلى سياسيين وأصحاب نفوذ. وفي حال عدم استرجاعها ستدفع الحسابات التي «لا ظهر» لها الثمن». ومن المفترض، بحسب فحيلي، قبل البدء بتوزيع الخسائر «تطبيق التعميم الاساسي لمصرف لبنان 154، الذي طلب في أحد مواده من المصارف حث مودعيها، وكبار المساهمين على إعادة 15 إلى 30 في المئة من الودائع التي اخرجتها منذ تموز 2017».

العودة إلى العام 2017 لم تكن عبثية. ففي هذا العام بدأ مجموع الودائع بالتراجع مقارنة بالسنوات السابقة، ولم يسجل نمواً بأكثر من 2.8 في المئة. الامر الذي أشار بوضوح إلى ارتفاع حركة السحوبات المصرفية، وذلك على الرغم من تجاوز الفوائد على الدولار 5 في المئة، و8 في المئة على الليرة.

ليس مدخلاً للحل

«بغض النظر عن التوزيع المحاسبي للخسائر، والشكل النهائي الذي من الممكن أن يرسو عليه، فان التركيز على تسديد الودائع يفشّل أي خطة اقتصادية هادفة إلى إنقاذ لبنان أو إنعاشه أو تطوره»، يشدد فحيلي. وهذا يعود إلى سببين:

الاول، يتعلق بالقدرة على تأمين الموارد المادية لتغطية الودائع المراد حمياتها. فموارد الدولة المتوفرة يمكن تلخيصها بوجود نحو 10 مليارات دولار أو ما دون من التوظيفات الالزامية في مصرف لبنان، و1.26 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة، وهناك أموال مؤسسة ضمان الودائع التي تحمي الودائع لغاية 75 مليون ليرة.

الثاني، إن إفراغ المصارف من الودائع لا يخدم أي خطة تهدف إلى الانتعاش والخروج من الأزمة. لان الودائع وجدت في المصارف لغاية اقتصادية وهي تمويل فاتورة الاستهلاك والاستثمار. وعلى الخطط استبدال شطب الودائع بطمأنة المودع إلى أن أمواله محفوظة، وأن الاجراءات تأتي بمواكبة من صندوق النقد الدولي. فالاخير يشكل عامل أمان وراحة بال للمواطن، انطلاقاً من استحالة موافقته على خطة تنقصها المصداقية ولا تأخذ لبنان في الطريق السليم.

المشكلة التي ستواجه أي عملية توزيع للخسائر في المستقبل، خصوصاً إذا ما ترافقت مع تصفية للبنوك وإعلان إفلاسها، تتمثل بحسب فحيلي بـ»عجز مؤسسة ضمان الودائع عن القيام بدورها.

فأرصدتها عالقة، وتحت الاقامة الجبرية مثل بقية التوظيفات الخاصة والعامة التي تعود للمواطنين والنقابات والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي... وغيرها الكثير من المؤسسات والكيانات. وعليه فان الموارد الوحيدة التي باستطاعة الدولة مد الايادي عليها هي حقوق السحب الخاصة SDR، وما تبقى من التوظيفات الالزامية لدى مصرف لبنان». وبحسب فحيلي هناك حلول أخرى تطرح، مثل:

- طباعة العملة الورقية اللبنانية وتسديد ودائع العملة الاجنبية بالليرة اللبنانية، أي «الليلرة».

إلا أن هذا الحل يخلق ضغوطاً تضخمية يصعّب على مصرف لبنان لملمتها. أما التسديد بالنقد الورقي الاجنبي سيؤدي إلى إرباك سوق الصرف، وتحريك السوق السوداء، وخلق اضطرابات اقتصادية.

ما الحل؟

«ترميم الثقة بين المودع والمصرف هو الاساس»، من وجهة نظر فحيلي، «على أن تترافق مع إعادة الحياة الى القطاع المصرفي وتوسيع رقعة تعميم مصرف لبنان رقم 158، والغاء التعميم 151، ورفع كل الضوابط عن التداول الحر في منصة صيرفة».

فاذا كان لا بد من تسديد الودائع، وكانت هناك نية حقيقية للمحافظة على الودائع تحت 100 الف دولار، فينصح فحيلي بأن «تتحول من ودائع «لولارية»، إلى دولارية تحت أحكام التعميم الاساسي 150.

وألا تسدد أوراقاً نقدية وتحفظ بالمصارف ضمن آلية معينة تطمئن المودعين على أن أموالهم محفوظة وقادرين على الوصول اليها بالفريش دولار».


MISS 3