د. ميشال الشماعي

ثورة الصناديق آتية

27 نيسان 2022

02 : 00

بدأ العدّ العكسي للحظة 15 أيّار المرتقَبَة، ولا يبدو حتّى الساعة أنّ احتمال تأجيلها ما زال موجوداً إلا في حال الاضطرابات الأمنيّة التي قد تضرب المومنتوم السياسي بالكامل. وقد يكون الصاروخ التائه واليتيم الذي انطلق من جنوب لبنان بمثابة «بروفا» أمنيّة لم تتجاوب معها سلطات الاحتلال لاعتبارات خاصّة بها. فكيف ستكون قواعد الاشتباك الانتخابيّة؟ وهل رشحت بوادر الأكثريّة الجديدة؟

كَثُرَ الحديثُ في الآونة الأخيرة عن تحديد لمعالم المواجهة على قاعدة واحدة لكن من وجهتي نظر مختلفَتَين. فـ»حزب الله» وضع المواجهة في خانة ما يعتبره هو مقاومة على قاعدة إمّا معها وإمّا ضدّها. أمّا حزب القوّات اللبنانيّة فوضع المواجهة بين مشروعين واضحين بحسب رؤيته: إمّا أن تكون مع مشروع «حزب الله» الذي يمثّل بالنسبة إليه مشروع موت الدّولة، وإمّا أن تكون مع مشروع الدّولة القادرة القويّة التي تقوم على ثلاثيّة جيش وشعب ودولة.

من هنا، بات النّاخب اللبنانيّ أمام خيارين اثنين لمشروعين واضحين. وبالطبع هذا لا يعني اختصاراً لكلّ الذين قرّروا خوض غمار السياسة ولا سيّما الذين دخلوا هذا المجال من بوّابة الثورة. فعلى ما يبدو أنّ هؤلاء قد اقتنعوا اليوم بعد أكثر من سنتين بأنّ التغيير له معبر وحيد وهو الانتخابات النيابيّة. ولا يمكن بعد اليوم تحقيق هذا التغيير إلا من هذه البوّابة. وللناخب اللبناني حرّيّة الخيار.

ولكن يجب أن يدرك أيّ ناخب بأنّ خياره اليوم هو الذي ستكون عليه الجمهوريّة للسنوات الستّ القادمة. وحتّى المرشّح الذي يخوض هذه الانتخابات إن لم يدرك بعد بأنّ المواجهة اليوم بلغت ذروتها على قاعدة هذين الخيارين فهو حتماً لن يكون فاعلاً إن نجح، وبالتّألي سيضيّعُ فرصة حقيقيّة أمام الناخب الذي أعطاه صوته لتحقيق التغيير المنشود. أو إنّه قد يكون أمامه خيار واحد وهو الدّخول في هذه المواجهة من ناحية حسم خياراته.

بناء عليه تتحدّد الأكثريّة الجديدة التي على ما يبدو ستكون أكثريّة خجولة أي أنّها لن تتخطّى السبعين نائبًا، بغضّ النّظر لمن ستؤول. وليس عبثًا ما رشح عن «حزب الله» بأنّه سيحصد أكثريّة من 67 نائباً حيث بات هذا الرقم الأكثر تداولاً. لكن إن حسبنا الذين يخوضون الانتخابات تحت مظلّة مشروع الدّولة يبدو لنا أنّ هؤلاء كلّهم سيشكّلون رأس الحربة في المواجهة القادمة، إن كانوا هم الأكثريّة أو إن شكّلوا حركة معارضة.

وحتّى الساعة بناء على الترشيحات التي أطلقها حزب القوّات اللبنانيّة، وبناء على ردود الفعل على المرشّحين الذين يدعمهم في مناطق نفوذ «حزب الله» كالاعتداءات بالرّصاص الحيّ التي تعرّض لها أحد المرشّحين في بعلبك الهرمل، أو كالاعتداء التي تعرّضت له لائحة لدى إعلان ترشيحها في الجنوب الثانية، وغيرها من الأساليب الترهيبيّة والترغيبيّة المضمرَة التي سرعان ما ستظهر للعيان؛ فبناء على ما تقدّم يبدو أنّ حزب القوّات سيحصد أكثريّة مطلقة من ضمن النوّاب المسيحيّين، وسيقود جبهة مقاومة دستوريّة من داخل البرلمان المقبل. وقد شهد اللبنانيّون جميعهم على الأداء القوّاتي البرلماني، مهما حاول المغرضون التعتيم عليه فللقوانين والاقتراحات والمشاريع قوّة الكلام.

ولكن يجب عدم إغفال عنصر المفاجأة الانتخابي الذي يُعتَمَدُ فيه على الأصوات المتأرجحة التي قد تصبح أصواتاً راجحة في اللحظة الأخيرة، أو حتّى قد يعتَمَدُ على تبدّل المزاج الانتخابي في لحظة ردّ فعل على حدث ما قد يقلب المقاييس والحسابات الانتخابيّة برمّتها. أمّا إذا أعاد النّاس إنتاج هذه الأكثريّة نفسها، وبالتّالي تمّ التجديد لهذا النهج نفسه، والتأسيس لاستمراريّة هذا الحكم قد تطول ستّ سنوات أو أكثر، فلا يلومنَّ أحدٌ أحدًا بعد ذلك. وقد شهدنا نماذج من الانقسامات في بعض النقابات والروابط أعادت إنتاج المنظومة الحاكمة نفسها. فإن لم يتّعظ النّاس من أخطائهم القديمة والجديدة فعلى الدّنيا السلام.

من هذا المنطلق، لا يتحمّل أحد مسؤوليّة ما قد تؤول إليه الأمور سوى النّاس أنفسهم. فإن اقترعوا يتحمّلون مسؤوليّة خياراتهم، وإن لم يقترعوا فسيتحمّلون نتيجة تقاعسهم لأنّهم يكونون قد ساهموا بطريقة غير مباشرة بإضعاف كلّ تحرّك اعتراضيّ على هذا النّهج، وسهّلوا مهمّة إعادة إنتاج هذه المنظومة أكثر فأكثر.

خلاصة القول، سنكون أمام مفاجآت انتخابيّة لن تكون في الحسبان أبداً. والكلام هذا مبنيٌّ على استطلاعات لآراء النّاس واستنتاجات لأداء المشروعين السياسيّين، وهذا ليس تمنّيا أو بناء على رغبة ما بل على تقديرات إن صحّت في 15 أيّار سنكون أمام واقع جديد كناية عن ترجمة عمليّة لثورة الأرز في العام 2005 ولثورة تشرين في العام 2019. سيكون 15 أيّار لناظره قريب جدًّا سيترجم بثورة صناديق بيضاء ولكن هذه المرّة لن تكون كتلك التي حملناها في الرابع من آب لنبكي أحبّاءنا، بل ستكون لنودّع فيها عهد الظلم والظلام الذي سيدخل عقده الرابع إن فشلنا. فحذارِ الفشل هذه المرّة.


MISS 3