في الوقت الذي يتفاخر فيه المسؤولون اللبنانيون بالتواصل مع صندوق النقد الدولي، ويصوّرون الاتفاق الموقع على مستوى الموظفين إنجازاً عظيماً، لم يدرج "الصندوق" لبنان في قائمة توقعاته في تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي" الصادر في نيسان الحالي. فمثله مثل كل من سوريا وفنزويلا وأفغانستان، حلت النقاط الثلاث (...) مكان التوقع بالناتج المحلي الإجمالي للأعوام الثلاثة المقبلة. أمر إن دل على شيء، فانما يدل على درجة عالية من عدم اليقين وبشكل غير عادي.
وعدم اليقين هذا، يراه رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية والمدير السابق في صندوق النقد الدولي د. منير راشد، حالة مبرّرة، فالناتج المحلي الاجمالي "بما يمثل من معيار أساسي لقياس مختلف المؤشرات الاقتصادية، غير معروف حجمه الحقيقي، وعملية تخفيضه محاسبية محض، وهي ترتبط بانهيار سعر صرف الليرة أكثر منه بتراجع القيم الحقيقية لمكوناته الاساسية من سلع وخدمات وخلافه، وعليه فإنّ عدم الأخذ به والاعتماد عليه لقياس بقية المؤشرات هو أمر طبيعي بالنسبة إلى صندوق النقد الدولي". فاذا افترضنا أن الناتج المحلي الاجمالي انخفض من 56 مليار دولار قبل الأزمة إلى 20 ملياراً، أو حتى أقل حالياً، "فهل من الممكن أن يختفي في حال وصول سعر الصرف مثلاً إلى 100 ألف ليرة؟"، يسأل راشد مستهجناً. من هنا فان "تراجع الانتاج بسبب الانكماش لا يعكس التراجع الكبير في الناتج الذي يحتسب من خلال تخفيض قيمة العملة اللبنانية، وخسارتها 90 في المئة من قيمتها". أما في ما خص بقية المؤشرات النقدية التي ما زالت تحتسب على أساس سعر صرف 1500 ليرة فهي لا تعطي بطبيعة الحال صورة حقيقية عن كيفية تطورها أو حتى تراجعها.
أمام هذا الخلل البنيوي، من الطبيعي أن تغيب أرقام لبنان عن حسابات وتوقعات صندوق النقد الدولي. وهو لن يعود إلى جداوله إلا بعد توحيد سعر الصرف والانطلاق بخطة واضحة المعالم. وبحسب راشد فإن على التقارير عدم الاعتماد على النسب التي تقارن المؤشرات بالناتج المحلي الاجمالي واستبدال الأخير بحجم الإنفاق.