شربل داغر

إستعصاء السياسة فكيف الثورات!

30 نيسان 2022

02 : 05

أشتغلُ، في كتبي وبحوثي، منذ سنوات بعيدة، على مدونة القرن التاسع عشر (وأبعد منه أحيانا)، بعد أن وجدتُ فيه دورةَ استئنافٍ جديدة لأحوال هذه البلاد. وهي قامت - بتبسيط شديد- بين الانفصال عن الماضي الإسلامي من دون أن تنفصل عنه تماماً، وبين الانفتاح على المدونة الغربية والتجديد بناءً عليها، من دون أن تكون منفتحة أو متجددة تماماً.

هذا ما يمكن تلخيصه بالتجاذب - باختصار للغاية- بين الفقه والدستور، أو بين الأصل والعقل.

هذا ما جعلني أتنبهُ إلى صعوبة قيام "الثورات" في هذه البلاد، وهو ما عبّرتُ عنه منذ العام 2005 ("ثورة الأرز" في لبنان)، ثم في الشهور الأولى من "الربيع العربي" في العام 2012.

وانطلقتُ، في مواقفي هذه، من صعوبة انبثاق إمكانات ثورية في بنية اجتماعية - سياسية تقليدية وراسخة للغاية.

وهو ما قادني إلى ما هو أصعب من ذلك، أو إلى مصدر ذلك، عنيتُ بذلك استعصاء السياسة نفسها.

فالثورات... مستحيلة، ما دامت السياسة غير ممكنة القيام والتداول بين النخب والجمهور.

ذلك أن ما نعايشه، ونقوم به، في السياسة، لا يَخرج، في قديم الخلافة الإسلامية، عن الغلبة؛ ولا يخرج، في الفقه، عن وجوب الطاعة.

وهو ما يتشكل في نخب وأسر وتحشيدات سياسية تدور حول ملكية السياسة، ومواقعها، ومراتبها، وغنائمها، في الدولة، من دون أن تبلغ بنى المجتمع نفسه.

هكذا نشأتْ، في "ظل السلطان"، قوى تًتشبه به، وتُقلده، وتسعى إلى امتلاك مواقع بدورها في بناء الحكم. وهو ما ظهرَ في بعض الأسر الأميرية والإقطاعية والمشيخية والعائلية؛ وهو ما تأكدً العمل عليه في الوراثة السياسية التي بلغتْ، في بعض الاحوال العربية، القرنَ العشرين وبعده.

فمن أين للثورات أن تنشأ، ولا سياسة إلا في إطار الزعامات والأسر؟ من أين للسياسة أن تقوم، فتتناول المصلحة العامة، ومنها مصالح الجمهور؟

حتى الأنظمة الجمهورية، و"التقدمية"، تحولت إلى أنظمة وراثية! حتى الأحزاب تحولت، بدورها، إلى ممتلكات أسرية ووراثية بالتالي!

فمن أين للفرد أن يكون، أن ينتفض، أن يثور، أن يتنفس في هذا الفضاء المحجور من فوق، والمحتبِس من تحت؟!