سناء الجاك

ليس كفرا في قاموس الحزب

3 أيار 2022

11 : 38

لا يهم كثيراً أو قليلاً ان يُصدر "حزب الله" بيانا يتبرأ فيه من كلام "منتحل صفة الدين" نظير جشي. فهدف البيان انتخابي بامتياز، وذلك حتى لا يخسر الحزب ومن يدعمهم أصوات من يسمحون لبناتهم بالذهاب إلى "شواطئ جونيه والمعاملتين وأبصر وين".


ولا يستقيم استنكار يستند فيه الحزب الى "مسؤوليته الوطنية والاجتماعية والأخلاقية"، فقط لتجنب "هذا النوع من التصريحات المشبوهة الصادرة عن المدعو جشي". وبالتأكيد مصدر الأسف لا يرتبط بـ "استغلال البعض لهذا التصريح المشبوه الذي لا يمثل أي وزن، وبناء ردود أفعال سياسية وانتخابية غير واقعية تساهم في الشحن الطائفي والمذهبي البغيض"، وإنما لأنه قد يدفع "أهلنا الكرام" في جبيل وكسروان إلى مراجعة حساباتهم بما يؤثر على صناديق الاقتراع.

فالمفروض أن يمر مثل هذا الكلام مرور الكرام، ومن يخاف منه ومن أبعاده هو مغرض يريد النيل من المقاومة. وهو عميل مرتهن لأعداء الله.


ولكن المتابع للثقافة التي تروجها إيران في داخلها وفي مناطق نفوذها، يعرف تماما أن ما نطق به جشي ليس كفراً في قاموس الحزب، ففي موقف سابق قال رئيس كتلة "الوفاء والمقاومة" النائب محمد رعد أن "لبنان كان ساحة للملاهي الليلية والخدمات، لكن الآن يجب إقامة لبنان الجديد الذي ينسجم مع المقاومة".

وفي موقف أسبق يعود إلى أربعة أعوام، نزع نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم الكفاءة عن المرأة المطلقة لتولي وظيفة تربوية.


حينها قال قاسم حرفيا: "اذا مُدَرِّسة دايرة على افكار خاصة في كيفية الحياة، تصور بدها تنظِّر لهم عن الحياة كيف نعيشها، بتطلع هي مثلاً لنفترض معلمة مطلقة ومقضيّة مشاكل بحياتها ومن الخراب اللي وقعت فيه بدها تعطي نصيحة للبنات حتى ما يوقعوا باللي وقعت فيه.. شو حتكون نصيحة حدا وقع بمشكلة".

بالتالي، ليس كفرا في قاموس الحزب ما قاله جشي. ولعل العكس هو الصحيح، لولا التوقيت السيء عشية الاستحقاق الانتخابي. وإذا ما حصل الحزب ومرتزقته ممن يحتاجون جيوشا جرارة تحميهم في جولاتهم الانتخابية على الأكثرية النيابية، سيصار حتما إلى تعميم كلام جشي وارغام اللبنانيين واللبنانيات على تطبيقه.


من هنا يجب أن تبدأ المواجهة، لأنها ثقافية بامتياز. فالنظرة الدونية إلى المرأة التي يجب أن تتوارى، حتى لا تظهر عوراتها ومفاتنها على الشواطئ، هي استكمال لمفاهيم كثيرة، والأدلة تصفعنا يوميا، ونراها في السجالات المتعلقة بكل تفاصيل الحياة بدءا بشعار "أختي حجابك أغلى من دمي"، وليس انتهاء بتخوين كل من يعارض الحزب ليصير عميلا يستباح دمه.

وكلما تدهور المجتمع اللبناني مع الأزمات المفتعلة، كلما جنح نحو فكر شمولي وتطرف ديني، يحميه الحاكم بأمره مستندا إلى فائض القوة في مجتمع لا رقيب فيه ولا حسيب ولا قوانين مرعية الاجراء.


ليس كفراً في قاموس الحزب ما قاله جشي. الكفر هو أن يطالب اللبنانيون بسيادة الدولة على مؤسساتها وأن ينتفضوا رافضين هذه المنظومة الفاسدة المحمية بمن يريد تغيير هوية لبنان لنلتحق جميعا بالمحور الإيراني، مهما كانت طوائفنا ومذاهبنا ومشاربنا الفكرية والثقافية.. وإلا فلنرحل او نستسلم للجحيم، ولنترك لهؤلاء الاتقياء الانقياء الساحة ليجاهدوا فيها ويحجزوا لهم في الجنة أجنحة.

والكفر يصبح تسبيحا وإيمانا بالقدرة على التغيير عندما تصب أصوات الرافضين هذه الثقافة وهذه الهيمنة لتكسر مصادرة هذا المحور ومرتزقته، وتشكل خطوة يُبنى عليها في مسيرة لا تزال مضنية.. ولكن ليست مستحيلة. 

MISS 3