جورج بوعبدو

جوزايا وودسون... الـ"JAZZ" مكرّماً وتأكيدٌ على هوية بيروت الثقافية

9 أيار 2022

02 : 05

تصوير رمزي الحاج

مخطئ من يعتقد أن الشعب اللبناني لا يعيش إلا على هوى السياسة وخطابات المسؤولين وسجالاتهم اليومية ولا تهمه إلا أخبارهم والاحداث المرتبطة بهم، خصوصاً في زمن الانتخابات والانهيار الاقتصادي واستفحال المشاكل الاجتماعية والمعيشية. من لا يصدّق ذلك اختبر هذه المعلومة وشهدها بأم العين على مسرح بيار أبو خاطر في الجامعة اليسوعية حيث اجتمع قرابة الـ500 شخص قدموا من مختلف أنحاء الاراضي اللبنانية لحضور أمسية موسيقية يحييها فنان الجاز الاميركي الذائع الصيت جوزايا وودسون مع فريقٍ مكوّن من 3 موسيقيين بمشاركة أفراد من الأوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية.

وودسون متمرس في العزف على "الترومبيت" منذ نعومة أظفاره مع اطلاعٍ واسع على حقول الجاز والبلوز والهيب هوب وقد تخرّج من كونسرفتوار "نيو اينغلند" البريطاني للموسيقى وعمل لاحقاً مع كبار المشاهير مثل الفنانة بيونسي نولز التي حازت جائزة غرامي عن اغنية love on Top التي عمل عليها. وانضم الى وودسون وفريقه عزفاً خلال الأمسية زملاؤه دانييل غاسان على البيانو وبرتولو ايمانوييل على آلة "الباس" وزاكاريه ابراهام على "الدرامز".

أما الحضور فكان ثقافياً بامتياز اذ تكوّن من ممثلين عن مدارس الموسيقى في لبنان، بالاضافة الى طلاب الموسيقى وموسيقيين متمرّسين وناشطين اجتماعيين وسينمائيين وأهل القلم والفكر ومجموعة كبيرة من الرسامين التشكيليين بالاضافة الى رؤساء تحرير وإعلاميين. لم تكن الامسية مفتوحة للعموم بل كان الدخول مشترطاً بدعوة يتلقاها الشخص من السفارة مباشرةً ولكن ذلك لم يمنع جمع هذا الكم الهائل من الجمهور الرفيع المستوى في صالة واحدة ولأمسية امتدت لساعة ونصف تقريباً وكانت بالطبع دليلاً صارخاً على تعطّش اللبنانيين الى الثقافة بعيداً عن ترهات السياسة وروتين الحياة القاسية واملاءات كورونا. وهكذا عاش الحضور أمسية طبيعية لم تخلُ من بعض الكمامات المذكرة بالواقع تخللتها مشاهد محببة للعين كرؤية بعض التشكيليين يرسمون أعضاء الفرقة الموسيقية على قصاصاتٍ من ورق أحضروها معهم من المنزل.

والأمسية المذكورة كانت من تنظيم قسم الشؤون الدبلوماسية في السفارة الاميركية في بيروت وتنفيذها علماً أنها دعمت قبل أسبوعٍ كذلك مادياً ومعنوياً فعاليات أسبوع الجاز في نشاطاتٍ موسيقية أدارها يوسف نعيم وتوزعت على خمس حاناتٍ وملاهٍ ليلية مختلفة في بيروت وأعطت الموسيقيين الشباب وتحديداً خمسين فناناً لبنانياً فرصة عرض مهاراتهم التقنية في محيطٍ فنيّ بامتياز وبحضور جمهور واسع حضر المناسبات للاستماع الى الموسيقى الاميركية في اروع تجلياتها مجاناً وبأداء محترفين لبنانيين.




السفيرة الاميركية دوروثي شيا أشارت في افتتاح أمسية "أبو خاطر" الى انّ الهدف من الدعم الاميركي المادي والمعنوي للموسيقيين اللبنانيين عبر الفعاليات المختلفة وآخرها استقدام الفنان العالمي جوزايا وفريقه الموسيقي الى لبنان هو ضخّ بعض الامل في المجتمع اللبناني وخصوصاً المجموعات الشبابية الموسيقية التي تعاني الأمرّين فالموسيقى هي لغة الامل والرجاء وهي تعبير صادق عن مدى وقوف أميركا الى جانب الشعب اللبناني في محنته فاتحةً له نافذة من النور في حياته الحالكة. ويحيّي الموسيقيون خصوصاً ومعظم من حضر الأمسية هذا الدعم معتبرين أنه جاء ليسدّ حاجة الموسيقيين اللبنانيين الى التفاتةٍ من هذا النوع والى ما يعيدهم الى الوجود بعد سنتين من الاختفاء القسري بسبب جائحة كورونا وانعكاسات الضائقة المادية.





وكان جوزايا استهلّ زيارته الى لبنان بدورتي Masterclass أحياهما مع فريقه إحداها مع مجموعة ضمت عشرات عازفي "الترومبيت" في استديو 8e Art في الكسليك، وأخرى جمعت أكثر من ثمانين طالباً من الكونسرفاتوار الوطني اللبناني ومدرسة الياس رحباني ومدرسة غسان يمين للفنون ومدرسة هاماسكايين للفنون في حرم الأخيرة، للاستفادة من توجيهات الفنان التقنية والاطلاع على معلومات حول الجاز والبلوز والهيب هوب. وأمضى وودسون كل ليلة تقريباً عازفاً مع فريقه في حانات بيروت من Greenhouse في إده البترون الى Union Marks في برج حمود الى Station Beirut وغيرها فسمع عنه جميع الموسيقيين قبل حضور أمسية أبو خاطر التي قصدوها بطيب خاطر لما شاهدوه من براعة في العزف والأداء في الملاهي الليلية المذكورة.



مع أطفال "أكسوفيل"


ولم ينس الفنان في إطار زيارته الى لبنان القيام بنشاطٍ انسانيّ وهي عادة درج عليها الفنانون الاجانب بشكلٍ بديهي فذهب الى مركز جمعية "أكسوفيل" لذوي الاحتياجات الخاصة وعزف للاطفال لأكثر من ساعة ونصف وتفاعل هؤلاء مع الموسيقيين الى اقصى درجة ودخلت البهجة الى قلوبهم في لحظاتٍ لم نعد نشهد لها مثيلاً في أيامنا هذه.



في مدرسة "هاماسكايين" للفنون الجميلة



هي رسالة إذاً بأنّ لبنان المحبة والسلام والمعروف بتاريخه الثقافي العريق وحبّه للحياة لن يتحوّل الى فضاءٍ لا يلفه إلا الحزن والكآبة.



عازفون من الأوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية



MISS 3