شربل داغر

"التوسع" بين بوتين وبطرس الكبير

9 أيار 2022

02 : 00

أتابعُ، مثل كثيرين في العالم، أخبار الحرب التي بدأتْها روسيا في أوكرانيا.

وما استوقفني، عند اندلاعها، أن كُتاباً عرباً هلّلوا لها، وتمنوا العشاء بعد أيام معدودة في العاصمة كييف.

وهي فقاعاتُ كلامٍ قبيحٍ وبذيء...

كما استوقفني، عند غيرهم، من هواة التحليل الاستراتيجي، كيف "تفهموا" حاجة بوتين إلى "تصحيح" الجغرافيا السياسية، بل إلى استعادة "مجد قديم"، كما لو أن المجد لا يليق بغير الأقوياء...

أما غيرهم، فقد قرأتُ لهم كلاماً "يتفهمُ" حاجة روسيا "إلى المياه الدافئة"، ما أعادني إلى ما كنت أقرأ عن: بطرس الكبير (1672-1725)، قيصر روسيا منذ العام 1683، وامبراطور الروسيا كلها منذ العام 1721.

ما إن يستقل القيصر بالحكم، يشرع في زيارة ممالك أوروبا، للتحقق من حال بلاده، بل من تخلفها بالأحرى.

لكن ما شغلَه - بالتلازم مع التحديث - هو بلوغ البحار الدافئة. هذا ما نجح فيه ببلوغ بحر البلطيق في العقد الثاني من القرن الثامن عشر، بعد معاهدة مع السويد، فيما كانت السلطنة العثمانية لا تزال متحكمة بالبحر الأسود.

شرع القيصر ببناء أسطول لهذا الغرض؛ كما وجد لزاما عليه الانتقال بنفسه إلى ما كان يعصاه الوصول إليه، وأن ينتزع الاعتراف به بوصفه قوة أوروبية.

يقوم، لهذا الغرض، بإعداد "سفارة"، مع بعض مستشاريه، ويتنقل في أكثر من بلد أوروبي.

يزور ملوكاً وبلداناً، مثلما يتفقد مكتبات ومتاحف وصناعات (لا سيما البحرية).

بل بلغ به الفضول "التوسعي" (المعرفي، الاستراتيجي)، أنه تخفّى وانتقل إلى بروسيا، باسم مستعار، لتعلم صناعة المدافع.

ثم انتقل منها إلى هولندا للعمل مثل عامل بسيط في صناعة السفن؛ وهو ما عزز معرفته بها في إنكلترا...

سيستمر القيصر في سياساته "الفضولية"؛ وسيقوم بزيارة مملكة فرنسا في العام 1717 لعدة شهور، من دون أن يفارقه دفتره الذي يسجل عليه الملاحظات. ومن دون أن يشبع رغبته في الاطلاع، وفي زيارة مؤسساتٍ ما كان يعلم حتى بوجودها، مثل: "أكاديمية العلوم"، أو مؤسسة ضرب النقود، أو مشغل النسيج الفني وغيرها.

ما قام به القيصر بطرس الكبير لبّى استهدافات متعددة:

الخروج من عزلة روسيا مع محيطها، وبلوغ ما لا تبلغه دولتها او سياساتها، اي الخروح صوب أوروبا، ما يعني - ولو بشكل غير مباشر - الاعتراف بها كقوة أوروبية...

لعل التاريخ يتكرر، لكنه قد يتكرر مثل مهزلة دامية، مثلما تقول شخصية في مسرحية لشكسبير: "لقد مضيتُ بعيداً في الجريمة، بحيث بات التقدمُ فيها أسهل من التراجع عنها".


MISS 3