بعد الاستقالة...العين على "التكنوقراط"

00 : 09

استقال الحريري. استجاب ولو متأخراً الى مطالب الشعب ليبدو وكأنه وحده من ضحّى في سبيل الوضع الاقتصادي. صحيح ان توقيت انتفاضة تشرين الشعبية لم يكن مثالياً بالنسبة الى الاقتصاد الوطني، ولكنه بالتأكيد ليس سبب الازمة كما يزعم البعض. ما حقّقته الازمة في الواقع ليس الا فضح المسؤولين السياسيين، ومن هم خلفهم، مهما حاولوا "ترقيع" فجوة الأزمة المالية ومن خلالها الاقتصادية - المعيشية. أما الحزمة المقترحة من الاصلاحات المنتظرة، فأخفقت في تهدئة غضب الرأي العام أو طمأنة المانحين الأجانب. سلّطت تصريحات حاكم مصرف لبنان الاخيرة بين ما قاله للـ"سي.أن.أن" وما عاد ونفاه لـ"رويترز" الضوء على الحاجة الملحة الى الحل السياسي دون سواه. الحريري من جهته أعطى ما هو قادر عليه بعد ان عجزت سلطته المتعنّتة عن ايجاد حلول وبدائل تجنّب البلاد ما وصلت اليه.

ينتظر اللبنانيون بعد استقالة حكومة "الى العمل" حكومة تكنوقراط تزخر بصلاحيات إصلاح واضحة الأطر وقدرة على التنفيذ. في هذه الحالة تستعيد الثقة المحلية وتمتص غضب الشارع وتسهر على تحقيق مطالبه وفي الوقت عينه تكتسب الدعم الدولي وتشتري الوقت الكافي لإعادة بناء نموذج اقتصادي فعّال.

ستحتاج الحكومة الجديدة قطعاً الى دعم الاحزاب السياسية كما إلى مجلس النواب، لا سيّما وأنها سترث ظروفاً اقتصادية صعبة وستواجه نتائج السياسات التقشفية على مختلف الاصعدة.

يرى متابعون ان أجندة الإصلاح التي قدّمها رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري طموحة ولو أنها متأخرة وصعبة التحقيق. ولم تكن جهود موازنة العام 2020 كافية لناحية تثبيت الدين العام عند 4% من الناتج المحلي الإجمالي وخفض العجز الى صفر في المئة.

كان من شبه المستحيل أن يتحقّق ذلك بسبب نسب النمو الضعيفة واستحالة ضبط النفقات الحكومية اضافة الى دعم كهرباء لبنان الذي يثقل كاهل المالية العامة. ذلك يعني ان مساهمة الإيرادات المطلوبة من مصرف لبنان ومن البنوك التجارية لسد العجز كانت لتسبب اتساعاً اضافياً في الهوة يظهر في العام 2021. ما سيحصل لا يصب الا في خانة محاولة استنزاف موارد القطاع المصرفي والبنك المركزي والمقدرة بـ 44 مليار دولار في غضون 3 أو 4 أشهر كحد اقصى الامر الذي من شأنه ان يزيد الطلب على العملات الاجنبية.

اما الخصخصة التي كانت مطروحة فقد أظهرت انقسامات سياسية كبيرة في الماضي فما الضمانة ان السيناريو هذا لن يتكرر؟ صحيح ان إصلاحات حكومة تكنوقراط هيكلية قد تؤدي إلى سد الفجوة مع الجهات المانحة ولكن سيصعب ايجاد دعم مالي بالسرعة المطلوبة.

في هذا الاطار يُحكى عن خصخصة قطاع الاتصالات التي يمكن تنفيذها في أسرع وقت رغم ان ما خُطّط له قبل أكثر من عقد من الزمن لم يتحقق حتى اليوم. ستحرم خصخصة قطاع الاتصالات الميزانية العامة من ايرادات سنوية مقدّرة بـ 1.1 مليار دولار أميركي أي 1.9% من الناتج المحلي الإجمالي. إن الخصخصة الناجحة ستخفض تكاليف التشغيل والأجور على الميزانية. لكن لا بد من التساؤل عن سبب طرح مرافق تدر مليارات الدولارات على الدولة في حين ان كيانات أخرى ككازينو لبنان ومرفأ بيروت تؤمن مبالغ أقل بكثير للدولة ومع ذلك ليست معروضة للبيع (0.3% من الناتج المحلي الإجمالي).

كان الحريري قد وضع أجندة تشريعية طموحة للقوانين المتعلقة بإصلاحات الحكم الهيكلي. ويشمل ذلك إنشاء هيئات تنظيمية مختلفة وسلطة لمكافحة الفساد، فضلاً عن قوانين الشراء العام كما المنافسة والضرائب التصاعدية وشفافية قطاع النفط. إن تنفيذ بعض هذه الإصلاحات من شأنه أن يدعم موقف الحكومة الجديدة، لكن ورغم ذلك من المرجح أن تتم مراقبة التطورات السياسية من قبل المانحين في "سيدر" قبل ارسال أي فلس الى الدولة اللبنانية.

في الوقت الراهن، يجري تعميم قانون الاثراء غير المشروع واسترداد الاموال العامة المنهوبة في الدوائر الحكومية. وقد قدّم نادي القضاة طلباً في وقت سابق إلى لجنة التحقيق الخاصة لرفع السرية المصرفية وتجميد جميع الحسابات المصرفية موقتاً لجميع السياسيين والمسؤولين والأشخاص المرتبطين بهم وذلك لحين اجراء تحقيقات بشأن مصادر هذه الأموال.


MISS 3