الأوليغارشية نسفت خطة لازار وقد تنقضّ على الخطة الجديدة

أبو سليمان: 10% فقط حظوظ تطبيق إتفاق صندوق النقد

02 : 00

وليد ابو سليمان
يؤكد الخبير المالي والاقتصادي وليد أبو سليمان أن ما حصل في لبنان هو جريمة مالية تاريخية منظمة، لم يحصل مثلها في اي بلد آخر في العالم. لكننا لم نلاحظ، برأيه، وقع ذلك كما يجب في الحملات الانتخابية. ويشير إلى أن الأموال التي نهبت وودائع المغتربين والمقيمين التي تبددت، لم تحظ بعنوان واضح لها في المعركة الانتخابية. ويضيف في حوار مع "نداء الوطن": "انقسمت المعركة حول هوية البلد، وأخذت طابعاً سياسياً بامتياز. أما أنا، وبحسب طريقة تفكيري وطريقة عملي، فاني أبدا بالأولويات. والأولويات بالنسبة للمواطن أنه لم يعد باستطاعته تأمين الأساسيات اللازمة لحياته ومعيشته. ونحن مقبلون على مرحلة قاتمة جداً" وفي ما يلي نص الحوار.





الأزمة تتدحرج أكثر، ما الفصل الآتي منها برأيك؟

ما من أحد لديه أي خطة للجم سعر صرف الدولار. هذا هو السلاح الذي سيفتك بالمجتمع أكثر. فتثبيت سعر الدولار بين 20 و25 ألف ليرة هو تثبيت سياسي وانتخابي. ونحن نعلم أن مصرف لبنان لم يعد لديه ما يكفي من الدولارات. كما أننا لا نعلم بدقة ما بقي لديه. ولا نعلم صحة الأرقام التي تنشر. لدحض كل الأقاويل وربما الأكاذيب، على مصرف لبنان أن يكشف حقيقة الأرقام وما لديه من عملات أجنبية مودعة لدى المصارف المراسلة .

ما مسؤولية الناخب اذا أعاد انتخاب نفس المنظومة؟

عليه أن يعلم أنه حصل تقويض للقدرة الشرائية وإفقار للبنانيين. ان عدم اتخاذ أي قرار للحؤول دون ذلك هو قرار بحد ذاته. حولوا تداعيات الأزمات وخسائرها على كاهل المواطن، سواء في لقمة عيشه وفرص عمله، أو الخدمات العامة مثل الكهرباء وغيرها. كان يجب على الحكومة الحالية الحفاظ على القدرة الشرائية بعدة طرق. ابرزها زيادة التغذية بالكهرباء، فحديث الناس اليوم يتركز على كلفة المولدات. لقد أهدروا الأموال في دعم السلع، ثم في دعم تجار العملة. كان عليهم ببعض تلك الدولارات، التي أهدرت وتهدر على الدعم، زيادة التغذية الكهربائية في موازاة رفع التعرفة وفق شطور معينة تراعي اصحاب الدخل المحدود.

وفي جانب تعزيز القدرة الشرائية أيضاً، كان يجب النظر الى كيفية تعزيز النقل المشترك. إن اشد معاناة للمواطن اليوم هي كلفة البنزين (للنقل) والمازوت (للكهرباء). هذه أمثلة بسيطة كان يمكن معالجتها للتخفيف عن المواطنين لكنهم لم يقوموا بذلك .

لكن الناس تتأقلم تدريجياً، ما السبيل إلى ذلك؟

يمكن للناس أن تتأقلم الى حد ما. البعض اليوم في وضع الضفدعة الموضوعة في ماء تحتها نار. الماء تسخن تدريجياً ، والضفدعة لا تشعر بما يحصل الى أن تموت. وللمثال: كانت التغذية الكهربائية من المولد 10 ساعات ثم انخفضت الى 8 او 6 ساعات... إنه تأقلم مع البؤس، لكن الى متى؟

ما يزيد من قدرة الصمود أو التأقلم، للأسف، هو الأموال الآتية من الخارج وتحديداً من المغتربين، وإلا لكان حصل الإنفجار، وتغيرت المعادلة وتبدلت مسارات الأمور.

يدخلنا من المغتربين بين 6 و7 مليارات دولار سنوياً، ما قد يحسن ميزان المدفوعات، لكن ذلك لا يعالج الخلل البنيوي والمتمثل بعدة أوجه ابرزها الادمان على الدولار خصوصاً لزوم الاستيراد. اما صناعتنا فهي تجميعية وتحتاج أيضا الى دولارات لاستيراد المواد الأولية.

وعندا أقول "للأسف" أن هناك أموال المغتربين، أقصد أن تلك التحويلات حافظت على بقاء المنظومة الحاكمة شئنا أم أبينا، أو من حيث لا ندري.

لكن ما يأتينا من الخارج لا يدخل الى الجهاز المصرفي كودائع يعاد استثمارها، وليس هناك استثمارات خارجية مباشرة، والسياحة شبه معدومة ما خلا المغتربين اللبنانيين الآتين في مواسم مثل الصيف. أما السائح العربي والأجنبي فلا يأتي بسبب اهتراء البنية التحتية اللازمة للاستقطاب السياحي. ينتفى تدريجياً وجود موارد للعملة الصعبة، وهنا يكمن التحدي الأكبر.

ما رأيك بورقة التفاهم مع صندوق النقد الدولي؟

عن ورقة التفاهم مع صندوق النقد يمكنني القول إنهم هربوا ذلك تهريباً. لكن لا ننسى انه اتفاق على مستوى الموظفين و ليس اتفاقاً نهائياً وملزماً للصندوق. ليصل الاتفاق الى مرحلة التطبيق فانه مشروط بإصلاحات، وعلى رأسها اعادة هيكلة القطاع المصرفي. هذا هو التحدي الكبير أمام المجلس النيابي الجديد. من المفترض أن يحملوا لواء هذا الاصلاح تحديداً، علماً بأن معلومات متداولة أن المصارف رافضة لاعادة الهيكلة وغير قابلة لضخ دولارات جديدة طازجة. وليس مقبولاً الاستمرار في مواربة زيادة الرساميل عبر دولارات محلية، وعبر اعادة التقييم لبعض الاصول. فهذا غير مقنع ولا مقبول. نحتاج اعادة هيكلة مصرفية حقيقية.

ورد في الاتفاق ضمان حتى 100 الف دولار للمودعين، هل هذا كافٍ؟

هل يعقل أن المودع المالك لمبلغ فوق 100 ألف دولار يعتبر مودعاً كبيراً ونعرض عليه تملك أسهم في مؤسسات مالية أو مصرفية رساميلها سلبية؟ هذا غير عادل ولا مقنع.

ما رأيك بطروحات الصندوق السيادي لرد الودائع؟

من أين تأتي مداخيل الدولة؟ انها تأتي من الأصول العامة وبعض الضرائب والرسوم. كيف يمكن التوفيق بين قيام صندوق سيادي يتملك أصول الدولة نطلب منه رد الودائع، وبين حاجة الموازنة لايرادات من الاصول العامة نفسها؟ مشكلة لبنان الاساسية بدأت من عجز الموازنة، كيف يمكن التوفيق، اذاً، بين رد الودائع من الصندوق وبين الحفاظ على ايرادات للموازنة تأتي من الأصول العامة؟ عمليا هذا صعب جداً.

إذاً... كيف تعود الودائع لأصحابها؟

أولاً، يجب اعادة رسملة المصارف، على المصارف تحمل مسؤولياتها. الى ذلك، هناك الكثير ممن تعاطوا الشأن العام ولديهم ودائع في البنوك لم يستطيعوا إخراجها، لأن أول سؤال يسأله البنك الأجنبي هو عن مصادر تلك الأموال. اذا كنت موظفاً بألف دولار شهرياً وفي حسابك مليون دولار، فهناك مشكلة في اثبات شرعية الأموال. لذا يجب تشريح الودائع، وعندما نصل الى حالات الموظفين ومن تعاطى الشأن العام ونجد ان لا شيء مقنعاً في ودائعهم المتراكمة فنشطب القسم الأكبر منها وربما نصل الى 90% منها. وهناك الفوائد التي تقاضاها المودعون، وهي فوق معدل فوائد الدين السيادي (اليوروبوندز) التي يجب اقتطاعها ايضاً. وهناك المتهربون من الضرائب الذين راكموا ودائع كبيرة يجب الاقتطاع منها بشكل كبير. وفي ما خص مكافحة التهرب الضريبي، لدينا القانون 44/2015 الذي يمكن استخدامه ضد المتهربين في الداخل والخارج . يكفي ابلاغ المصرف في الخارج ان في هذا الحساب او ذاك تهرباً ضريبياً حتى يتحول الأمر لدى البنك الاجنبي الى قضية تبييض أموال فوراً .

هذه هي بعض المقترحات، التي تضاف اليها استعادة الأموال التي هربت الى الخارج. أما ما يحاولون القيام به اليوم فهو عبارة عن شطب عشوائي للودائع.

خلاف ذلك، فانهم مستمرون بتذويب الودائع... هل سينجحون؟

هناك ظاهرة جديدة هي الليرة "فرش" والليرة في البنوك ... كل ذلك على حساب المودع كما حصل مع الدولار "الفرش" والدولار العالق في البنوك. ان تذويب الودائع هو تخفيف من المطلوبات على المصارف بعدة اساليب بدأت مع سحوبات على 3900 وبالشيكات المباعة بحسم كبير ... كل ذلك عبارة عن سرقة ممنهجة.

مع الاشارة الى اني لست ضد الهيركات بالمطلق، لكن يمكن القيام بذلك بشكل واضح ضمن معادلة توزيع الخسائر، وليس بطريقة مقنعة خبيثة.

اضافة الى تذويب الودائع هناك تهرب من المحاسبة... هل سيفلتون من العقاب؟

هناك استشراس لتمرير الحلول بلا شفافية ومن دون محاسبة، وبلا اي جهد لمعرفة اسباب الخسائر ومن تسبب بها، فضلاً عن عدم اقتراح توزيع عادل للخسائر. نحن في نظام برلماني تستشرس فيه المنظومة لتعود الى حجمها التمثيلي في مجلس النواب وتحظى بالاكثرية. هذه الأكثرية التي اثبتت منذ بداية الأزمة أنها هي الحاكمة بأمرها. هي من نسف خطة لازار بمساعدة الأوليغارشية المهيمنة وستحاول نسف الخطة الجديدة أيضا .

عندما قالوا لنا انهم سيقرون الموازنة والكابيتال كونترول ورفع السرية المصرفية قبل الانتخابات، تبين أنها أكاذيب ويمعنون في الهروب الى الأمام.

ما المخاطر الأخرى الى جانب قضية الودائع؟

مشكلتنا ليست في الودائع فقط. فعندما تنضب العملات الاجنبية في مصرف لبنان، ما الذي سيمنع هؤلاء من المساس بالذهب. سيذوبون الذهب كما ذوبوا الودائع. كل شيء ممكن مع التجديد لهذه الطبقة السياسية. لذا علينا أن نقاوم من أجل أولوية الحفاظ على ما تبقى.

ما فرص نجاح تطبيق ورقة التفاهم مع صندوق النقد؟

10% فقط، لأن المنظومة الحاكمة ترفض الاصلاحات. كما المصارف أيضاً. فعلى الصعيد المصرفي، ما الذي يمنع البنوك من إشهار افلاسها؟ أوليس ذلك أفضل لها من مقصلة اعادة الهيكلة؟ ينتظرون ويقاومون الحلول، وهناك ترابط بين السياسيين والمصرفيين.


يحضّرون الرأي العام لفشل الاتفاق مع صندوق النقد

ما الخيارات المتاحة اذا سقطت ورقة التفاهم مع الصندوق؟ يؤكد وليد ابوسليمان أن المنظومة تمعن في الاستمرار بتذويب الودائع وتحميل الناس الخسائر ويضيف:

« بدأ الكلام عن أن 3 مليارات دولار من صندوق النقد لا تفي بالغرض. وهذا تحضير للرأي العام كما جرى تحضيره عشية رفع الدعم من دون أي بديل. كما جرى تحضير قبول الناس لتعددية أسعار الصرف والتشوهات التي نتجت عنها. وكما سيحصل لتمرير الموازنة مع دولار جمركي جديد من دون ادنى عدالة اجتماعية. اي ظلم هذا في أن تسحب دولارك على 8 الاف ليرة مقابل اجبارك على دفع دولار جمركي على 20 الف ليرة؟».



نتحول الى بلد عجوز

عن خيار تحول البلد الى متسول من نظام الإعاشة الدولية يسأل وليد ابو سليمان: هل يمكن لبلد يعيش على الاعاشة الدولية ان ينهض باقتصاده؟ ويجيب: «بالطبع لا». ويشير الى انه في هذه الحالة «نتحول الى بلد عجوز يحصل تفريغه ديمغرافياً وتقتل او تخنق قطاعاته الاقتصادية».



الإنفجار الإجتماعي قادم؟

ما الذي يجبر المنظمومة على تغيير المسار؟ يقول وليد ابو سليمان: «اذا لم تغير هذه المنظومة شيئاً من ممارساتها خلال 3 سنوات، اي منذ بدء الأزمة، ما الذي سيدفعها للتغيير اذا عادت الى مقاليد الحكم؟ وهنا أحذر من حصول الانفجار الاجتماعي وأخشى ان ينفجر الشعب على نفسه. حذرنا مراراً وتكراراً من أن الازمة الاقتصادية تولد ازمة اجتماعية واضطرابات واحداثاً امنية... وهذا هو الخطر القادم!».

MISS 3