مريم سيف الدين

ساعات من الضرب والتكسير

مناصرون لـ"أمل" و"حزب الله" يعتدون على المتظاهرين في وسط بيروت

30 تشرين الأول 2019

00 : 21

فتح الطريق بالقوة (فضل عيتاني)

نزل مناصرون يُدينون بالولاء للثنائي الشيعي إلى جسر الرينغ، في اليوم الثالث عشر من التظاهرات وإقفال الطرق، لفتحه بالقوة تنفيذاً لقرار اتخذه أحد ما، متجاوزين سلطة القوى الأمنية الموجودة في المكان. فتجمّع العشرات منهم من جهة منطقة الخندق الغميق وهجموا على المتظاهرين السلميين واعتدوا عليهم بالضرب بالعصي والحجارة أمام أعين القوى الأمنية التي واكبت الاعتداءات، ولم ينفع استنجاد المتظاهرين بها لردع المعتدين أو اعتقالهم. فتابع هؤلاء مهمتهم وكسّروا المنصات والحمامات الموجودة في الساحتين وأشعلوا النيران في الخيم، ما أدى إلى جرح عدد من المتظاهرين. واستمرت الاعتداءات لأكثر من ثلاث ساعات من دون محاولة احتواء المعتدين من قبل "حزب الله" و"أمل". فسرّع العنف الذي شهده وسط بيروت في تحقيق مطلب المتظاهرين باستقالة الحريري، غير أنه طرح تساؤلات عن سبب الاستخفاف بأمن المتظاهرين من قبل المعنيين بحمايتهم.

قرابة الساعة الحادية عشرة بدأ عدد من الشبان التوجه من منطقة الخندق الغميق باتجاه جسر الرينغ مع الإصرار على فتح الطريق بالقوة، بعد أن أغلقه المتظاهرون من الجهتين للضغط من أجل استقالة الحكومة. إزداد عدد هؤلاء بسرعة وتجمعوا على الجسر مقابل المتظاهرين وأطلقوا هتافات "بالروح وبالدم" المعتادة إلى شعارات مذهبية. تعمّد هؤلاء استفزاز المتظاهرين بالشتائم والاتهامات والتهديد، لكن الأمور ظلت مضبوطة إلى حد ما. عملت القوى الأمنية على الإحاطة بالمجموعة المعتدية لكن المجموعة تقدمت باتجاه المتظاهرين الجالسين على الجسر، واعتدت عليهم بالضرب. مجدداً، حاولت قوى الأمن الفصل بين الطرفين لكن المجموعة أصرّت على تأديب المتظاهرين. بعدها اتجه العشرات من المجموعة باتجاه برج الغزال، الجهة الأخرى من الرينغ، مطلقين الهتافات المذهبية، لكنّ الجيش تدخّل بسرعة وحسم الأمور، على عكس ما حصل في الجهة الأخرى، وأبعد المجموعة بعد أن حطّمت الخيم.

وبينما كان لافتاً عدم تعزيز الإجراءات الأمنية وعديد العناصر لجهة الخندق الغميق، على الرغم مما كان يجري، تابع مناصرو "أمل" و"حزب الله" خطتهم للتقدم باتجاه ساحتي رياض الصلح والشهداء، أما قوى الأمن الداخلي فتراجعت أمامهم بينما كانوا يضربون المواطنين والمواطنات تحت أنظارها من دون ردعهم، باستثناء بعض التدخلات الخجولة. لم تسلم النساء أيضاً من الاعتداءات، وهن اللواتي حاولن البقاء في المقدمة حرصاً منهن على الإبقاء على سلمية التحركات ومنعاً للفتنة. فتعرضن هن أيضاً للضرب والشتم وما تحويه القواميس من كلمات نابية. وقام بعض المعتدين بنشل هواتف متظاهرين وباءت بعض المحاولات بالفشل. لم يسلم الصحافيون أيضاً من الاعتداءات بالضرب ومحاولات نشل أجهزتهم، فأصيب الصحافي في قناة "بي بي سي"، غيث الصلح في رأسه ونقل إلى المستشفى. وعبّر المعتدون عن انزعاجهم لوجود كاميرات توثق أفعالهم والتي يعاقب عليها القانون. وبدلاً من أن تقمع القوى الأمنية المعتدين طلبت من المتظاهرين عدم تصوير ما يحدث. وتمكن المعتدون من الوصول إلى الساحتين. ولم تتشدد قوى الأمن في إجراءاتها إلا لحظة وصول المعتدين إلى السياج الموضوع عند مدخل السراي الحكومي. وبعد أن أنهى هؤلاء تخريبهم تدخل الجيش متأخراً لإبعادهم عن ساحة الشهداء.

تروي متظاهرة لـ"نداء الوطن" أن القوى الأمنية كانت على علم بنيّة الاعتداء على المتظاهرين في ساحتي رياض الصلح والشهداء، فعملت قبل نحو ربع ساعة من بدء الاعتداء على تفتيش المتظاهرين للتأكد من عدم حيازتهم على أدوات حادة أو أسلحة. وتقول إنها وبينما كانت جالسة في إحدى الخيم تعرضت فجأة للرشق بالحجارة وبدأت الخيم القريبة منها بالاشتعال ففرّت من المكان الذي اجتاحه هؤلاء من دون أن يردعهم أحد.

وكان ملفتاً توجّه المعتدين للتصريح لجميع وسائل الإعلام مردّدين لازمة واحدة، وهي أن إغلاق جسر الرينغ قد جوّعهم ومنعهم من الذهاب إلى عملهم، على الرغم من أن معظم الطرقات مفتوحة ويقتصر الإقفال على بعض النقاط المحددة، ويمكن سلوك الطرق الفرعية والوصول إلى أي مكان. وبدا واضحاً أن هؤلاء اتفقوا على الخطاب الذي سيروّجونه على وسائل الإعلام قبل بدء هجومهم. فالجائعون لا يجدّدون ولاءهم بالدم لزعماء مسؤولين عن تجويعهم، وإن أرادوا أن يفدوا زعماءهم بالروح والدم، كما هتفوا، فليفدوهم بدمائهم هم لا بدماء الآخرين المتظاهرين في وسط بيروت. فهؤلاء انتفضوا رفضاً لفرض مزيد من الضرائب على الفقراء، وانتفضوا للضغط من أجل خطة إقتصادية إنقاذية لا تحمّل تبعات الأزمة الإقتصادية للشعب.


MISS 3