الإجهاد... يزيد الالتهاب؟

00 : 26

وفق دراسة جديدة، يرتفع خطر الإصابة ببعض الالتهابات بسبب اضطراب ما بعد الصدمة أو أي حالة أخرى مرتبطة بالإجهاد.

العقل والجسم ليسا كيانين منفصلين، على عكس الأفكار التي نشرها بعض الفلاسفة في القرن السابع عشر.

تزيد الأبحاث العلمية المعاصرة تركيزها على الروابط الوثيقة بين الصحة النفسية والراحة الشخصية ومجموعة متنوعة من الحالات الجسدية.

ثمة رابط مثلاً بين اضطرابات الإجهاد وتدهور الصحة الجسدية. رصدت دراسات جديدة روابط بين اضطراب ما بعد الصدمة ومشاكل هضمية وعصبية وقلبية وتنفسية. ذكرت إحدى الدراسات أيضاً أن المصابين باضطراب ما بعد الصدمة يكونون أكثر عرضة للحوادث القلبية بنسبة 27%، ولأمراض المناعة الذاتية بنسبة 46%.

يدعم البحث الجديد هذا الرابط بين اضطرابات الإجهاد والأمراض الجسدية، فقد رصد العلماء علاقة بين تلك الاضطرابات وزيادة مخاطر الالتهابات.

كانت الدراسة تحت إشراف هوان سونغ، دكتور في مركز علوم الصحة العامة في جامعة أيسلندا في "ريكيافيك". نُشرت النتائج حديثاً في "المجلة الطبية البريطانية".

حلل سونغ وزملاؤه معدلات الالتهابات لدى 144919 مصاباً باضطراب ما بعد الصدمة، أو تفاعل إجهادي حاد، أو اضطراب التكيّف، أو تفاعلات إجهادية أخرى، بين العامين 1987 و2013.

قارن الباحثون هذه المجموعة بـ184612 شقيقاً يتعايشون مع اضطراب مرتبط بالإجهاد، و1449190 فرداً غير مصاب بهذه الحالة.

تعددت الالتهابات التي حللها الباحثون، منها تعفن الدم، والتهاب الشغاف، والتهاب السحايا، والتهابات أخرى في الجهاز العصبي المركزي. فراجعوا "السجل الوطني السويدي للمريض" و"سجل سبب الوفاة" اللذين يرتكزان على حالات الاستشفاء المرتبطة بالالتهابات وعدد الوفيات.

في المتوسط، تلقى المشاركون تشخيص اضطراب الإجهاد في عمر 37 عاماً، وراقبهم الباحثون طوال 8 سنوات.

أخذ الباحثون بالاعتبار التاريخ العائلي المرتبط بالالتهابات الكبرى، فضلاً عن أمراض جسدية أو نفسية أخرى.

وبعد مراجعة الخلفية العائلية والمشاكل الجسدية أو النفسية، اكتشفوا أن اضطرابات الإجهاد ترتبط باحتمال الإصابة بالتهابات خطيرة في مراحل لاحقة من الحياة.

في التفصيل، رصدت النتائج ارتفاعاً في خطر الإصابة بالتهاب السحايا بنسبة 63% لدى المصابين باضطرابات الإجهاد و57% لدى المصابين بالتهاب الشغاف، مقارنةً بالأشقاء غير المصابين بأي حالات مرتبطة بالإجهاد.

كذلك، زادت نسبة ذلك الخطر بسبب الاضطرابات المتعلقة بالإدمان على المواد. في المقابل، تراجع الخطر بعد أخذ مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية خلال السنة الأولى التي تلت تشخيص الاضطراب.

لا تستطيع هذه الدراسة إثبات وجود رابط سببي، بما أنها ترتكز على المراقبة. لكن يستكشف الأستاذ جوناثان بيسون من جامعة "كارديف"، بريطانيا، في مقالته آليات محتملة لتفسير هذه النتائج: "يتعلق أحد المسارات المؤثرة باضطراب محور المهاد والغدد النخامية والكظرية، تزامناً مع تراجع مستويات الكورتيزول أو ضعف مقاومة المستقبلات. قد يطلق هذا الوضع التهاباً مفرطاً".

كذلك، يذكر سونغ وزملاؤه في تقريرهم أن نتائجهم تتماشى مع هذه النظرية وأن اضطرابات الإجهاد قد تؤدي إلى إنتاج فائض من السيتوكينات الالتهابية.

مع ذلك، يلفت المشرفون على الدراسة وبيسون إلى ضرورة إجراء أبحاث إضافية.

يوضح بيسون: "من المبكر أن نطلق استنتاجات جازمة حول الروابط بين اضطرابات الإجهاد والصحة الجسدية. لكن تزداد الأدلة التي تثبت أهمية إجراء دراسات مصممة بحذر مستقبلاً لرصد مسارات ميكانيكية مشتركة أو ذات صلة. يطرح اضطراب ما بعد الصدمة مشكلة كبرى في مجال الصحة العامة لأنه يُسبب مستوىً مرتفعاً من الاعتلال الجسدي. لذا سيكون تحضير مقاربة حيوية ونفسية واجتماعية شاملة لاستكشاف هذا الاضطراب والتحكم به، بإنتاج مشترك مع المرضى والعائلات، أفضل طريقة على الأرجح لمساعدة المصابين بهذه الحالة الشائعة".


MISS 3