مؤسسات دولية تجهل خصوصية لبنان وتتعاطى معنا بوصفات جاهزة من كتب جامدة

بدارو: تطبيق شروط صندوق النقد... دوامة تخريبية

02 : 00

يؤكد الخبير الاقتصادي المخضرم روي بدارو ان الانتخابات النيابية تمخضت عن موجة شعبية رافضة لكل ما هو خارج الدولة وسيادتها. كل من يمثل، في مكان ما، خروجاً عن الدولة تلقى صفعة أو وصلته اشارات تحذير قوية. في قراءته للنتائج ايضاً يوضح بدارو أن هناك من نجح بالأصوات وآخرون نجحوا بقوة السلاح والترهيب والترغيب. ترغيب، برأيه، غير مقتصر فقط على المرحلة الانتخابية انما عبر سنوات من شراء الذمم والمساعدات المالية والعينية المعتمدة لدى بعض الافرقاء. وفي السنتين الماضيتين شمل الترغيب استعمال الدعم وتطويع الموارد اللبنانية لمصالح داخلية وخارجية، وهنا نتحدث عن 12 مليار دولار، كما يقول.


يضيف بدارو في حوار مع «نداء الوطن» أنه يجب انتظار الاصوات الصافية لكل طائفة، وهذا مؤشر مهم. فعند جمع الأصوات السيادية سنجد أنها تتفوق في قراءتها على القراءة المحدودة لعدد المقاعد النيابية. وفي ما يلي نص الحوار الذي تناول الشأنين الاقتصادي والمالي:

ما قراءتك الاقتصادية الأولية لنتائج الانتخابات النيابية؟

اقتصادياً ، تؤشر النتائج الى بداية اطمئنان الى امكان عودة الاقتصاد اللبناني الى الصعود والشفاء من أزماته، وذلك بغض النظر عن الوقت المستغرق سواء 3 او 5 او 15 سنة. لكني استطيع القول ان رحلة التعافي بدأت لأن الركيزة السيادية باتت موجودة. لكن المسألة بحاجة ماسة وسريعة الى رؤية وخطة وبرنامج عمل. وهذا يحتاج الى اصحاب اختصاص وخبرة اقتصادية ومالية . بالانتظار، نحن باتجاه تشكيل بيئة حاضنة للاستقرار السياسي مع رؤية ووضوح في التوقعات المرجوة . ومن الأمثلة على النتائج الممكنة، زيادة التحويلات الى الداخل واستثمارات تخلق وظائف وصناعات بقدرات تصديرية أعلى . يضاف الى ذلك وجوب ضبط الانفاق الحكومي وترشيد حجم الدولة او القطاع العام، واعادة الاعتبار للقدرة الشرائية خصوصا للطبقات الفقيرة.

هل سيفي المجتمع الدولي بوعوده؟

بالنسبة للمجتمع الدولي وخصوصا بعض المؤسسات التمويلية الدولية فانها تجهل الواقع اللبناني وتتعاطى معه من خلال وصفات جاهزة من كتب جامدة، متجاهلة خصوصية لبنان. خصوصية اننا لسنا في دولة بل في شبه دولة تنقصها استقلالية القضاء وحدودها غير مضبوطة، الى جانب آفة التسلط التي يمارسها بعض القوى سواء سياسياً او اقتصادياً. ولا عجب إذا وجدنا ترابطاً ما بين المتسلطين سياسياً والمتسلطين اقتصادياً .

لكن المشهد النيابي الجديد لا يبشر بتوافق ما. الا ترى ذلك؟

المسألة ليست متعلقة بالمشهد النيابي الجديد، لأن لبنان محكوم بالتوافق. أي تشريع يمكن ان يعرقل اقراره، واذا أقر يصعب تطبيقه. يمكن مثلاً اقرار قانون للكابيتال كونترول او استقلالية القضاء، ثم تتربص به جهة نافذة لا تريد تطبيقه، فلا يطبق .

لكن تبين ان الديمقراطية التوافقية انتهت. نحن متجهون من حيث المبدأ الى حكم أكثرية مقابل أقلية معارضة، مع الانتباه الى قضية الميثاقية. من الجانب المسيحي هناك كتلتان كبيرتان، واحدة تحكم والأخرى تعارض، وكذلك الأمر عند السنة. تبقى المشكلة عند الشيعة حيث الالتزام الكامل في ثنائي شبه واحد وبقرار واحد . هل سنخرج من الميثاقية كلياً الى حكم أكثرية بغض النظر عن ألوانها الطائفية؟ في كل الاحوال، لبنان يجب أن يخرج من مأزق قرارات تتخذ عنوة وبفرض من مكون واحد.

ما الاستحقاقات المفصلية المقبلة؟

انا من المعتقدين ان الامور معلقة بانتظار الاستحقاق الرئاسي. واقول أن لا تغيير اقتصادياً في مسار واضح الا مع رئيس جديد متوافق عليه داخلياً، مع عدم ممانعة من العنصر الاقليمي. اذا حصلنا على رئيس توافقي قائم عهده على مشروع نهوض نحقق نتائج اقتصادية جيدة . لكن لا اصلاح اقتصادياً من دون اصلاح سياسي مع التركيز دائماً على رؤية واستقرار واستشراف توقعات قابلة للتنفيذ. وبالنسبة للمشروع الاقتصادي لا مفر من قرارات غير شعبية، علماً بأن الشعب اللبناني غير مهيأ بعد لقراءة الاقتصاد بحقائقه الرقمية، وذلك بغض النظر عما اذا كان النواب مهيئين لتلك القراءة أم لا. سننتظر بضعة اشهر لتتضح الرؤية مع اتضاح شخصية الرئيس/‏ة الجديد/‏ة.

ما رأيك بما اقترحه صندوق النقد الدولي من شروط على لبنان في ورقة التفاهم معه؟

اختاروا السهولة وتغاضوا عن الكلفة الاجتماعية والاطار السياسي الاقليمي، يجهلون او يتجاهلون ان اقتصاد لبنان يغذي بلدين على الاقل: لبنان وسوريا. ومع سوء فهم الواقع يصعب وضع خطة فاعلة، كما ان ورقة التفاهم هي اقرب للمعالجة المالية منها للاقتصادية الشاملة. ليس واضحاً في ذلك الاتفاق الاطار الاقتصادي العام مع وضع توقعات لنسب النمو متواضعة بين 2 و4% لا تسمح لشعب كامل بالتقاط انفاسه الا في غضون 15 سنة. خلال هذه الفترة الطويلة قد يهاجر نصف السكان مع كلفة انسانية واجتماعية ومجتمعية لم يدخلها صندوق النقد في حساباته وكذلك يفعل البنك الدولي. فذلك بالاضافة الى كلفة العمل... سيدخلنا في دوامة تخريبية اذا طبقت خطة الحكومة/‏صندوق النقد.

كيف ترى مشروع رد الودائع بالليرة كما يخطط مصرف لبنان؟

ليس المهم رد الودائع او جزء منها بالدولار او الليرة او اي عملة جديدة يمكن اختراعها. الأهم هو القدرة الشرائية لتلك الاموال. لذا نعود الى الاساس وهو سعر الصرف الخالق للتوازن الداخلي بين العرض والطلب . فضمن كتلة الاجور الحالية يفترض بسعر الدولار ان يساوي 9 آلاف ليرة لحصول التوازن بين العرض والطلب على السلع والخدمات. مع سعر صرف بـ 9 آلاف ليرة يتحقق هدف خفض الاستيراد نسبياً ونعيد تدريجياً خلق طبقة وسطى. ما هو فوق 9 آلاف يعبر عن السوق السوداء، والفارق هو تقدير سياسي بسبب عدم وجود استقرار، لذا تلعب المافيات في هذا الهامش او الفارق الكبير.

كيف نثبت سعر الصرف؟

لا حديث حقيقياً عن سعر صرف مقنع من دون استقرار سياسي داخلي . لذا لا يمكن الحديث عن اصلاح اقتصادي عميق من دون معرفة سعر الصرف الملائم لبقاء طبقة وسطى، وحد ادنى للاجور يتراوح بين 125 و150 دولاراً بين داخل المدن وخارجها مع فصل سلسلة رواتب القطاع الخاص عن نظيرتها في القطاع العام، واعادة النظر بنظام التعويضات العائلية والاستشفائية ونهاية الخدمة... لم أرَ حتى الآن اي برنامج مترابط على كل الاصعدة.

ألا يبدو ان المشهد النيابي معقد لدرجة عدم الاتفاق على شيء؟

يمكن للمشهد النيابي الجديد ان يكون اكثر او اقل تعقيداً مما نتصور. السؤال الأهم يبقى عمن سيدير المرحلة المقبلة، المتمثل بثنائي رئيس جمهورية ورئيس حكومة، ثنائي يقرر اين سيتجه لبنان. هذا ممكن بعدما اصبح لدينا الآن حظوظ للتغيير، قبل 15 ايار كانت الحظوظ معدومة .

اذا حصلت الانتخابات الرئاسية وتشكلت حكومة بناء على مشروع، يمكن البدء بالعد العكسي من أواخر تشرين المقبل للخروج من هذه الازمة العميقة.

كيف تنظر الى مسألة ضمان رد الودائع حتى 100 الف دولار؟

مسألة الـ 100 الف دولار ليست أكيدة، انها متعلقة بكل مصرف على حدة. فاذا وجدنا مصرفاً بالتزامات اكثر من الموجودات لديه فلن نستطيع الحصول منه على 100 الف دولار لكل مودع لديه. لذا قد نكون امام عملية غش كبيرة . ولنفترض الحصول على تلك الـ 100 الف دولار على مدى فترة 10 سنوات على الاقل، فان القيمة الحقيقية لها اليوم قد تكون بحدود 50 الفاً فقط، وهنا أيضا نحن امام كذبة كبيرة . بكلام آخر، اذا كان ذلك الوعد يساوي 22 مليار دولار، فانه بقيمة اليوم لا يساوي اكثر من 11 مليار دولار، اي ما تبقى من دولارات في مصرف لبنان. هذه هي اللعبة التي يجب التنبه لمخاطرها وكشف ملابساتها. واذا حصلنا على الـ 100 الف ، ماذا سنفعل بها وما هي قدرتها الشرائية؟ قد يتبخر ذلك المبلغ في خدمات صحية وتعليمية فقط. ومن يبلغ عمره 64 سنة وتقول له انتظر 10 او 15 سنة، كأنك تقول له انتظر موتك وحسب . لذا علينا الاعتراف بان المطروح يفتقد لابسط مقومات الخطط الاقتصادية السليمة.



ما البديل؟

البديل هو فتح باب الاصلاح من باب الرؤية وسعر الصرف . ثم نبحث عن افضل نمو اقتصادي من رقمين لا يستطيع تحقيقه الا ثنائي رئيسين متفقين على خطة مقنعة للشعب. عندئذ لا نحتاج الى 15 سنة من الانتظار، ربما نحتاج الى 4 او 5 سنوات فقط، او خلال 6 سنوات من العهد الجديد المنتظر

هل يجب استخدام اصول الدولة لاطفاء الخسائر؟

وفق محاكاة اجريناها، لا يمكن الا استخدام اصول الدولة، لكن تبقى المشكلة في كيفية استخدامها.

لدينا 5 افرقاء: المصارف ومصرف لبنان والحكومة والمودعون بالاضافة الى غير المودعين الذين لا دخل او مدخول لهم الا يومياً او شهرياً، وعلينا خدمتهم باطلاق العجلة الاقتصادية لهم ومعهم.

وعلينا ان نعلم ان موجودات الدولة ليست فقط تلك العينية الملموسة بل هناك غير الملموسة ايضا. ابسط مثال على ذلك هو ان الجو السياسي العام اصل غير ملموس، فاذا استقر فسيزيد تقييم ما لدينا من اصول من واحد الى عشرة .

مثال آخر: هناك عقارات لشركة انترا في منطقة رومية يمكن استخدامها لاقامة مدينة ذكية تكنولوجية او اعلامية. وهنا لا نتحدث عن قيمة الارض بل قيمة الفكرة المقامة بمشروع مبتكرعلى الارض.

دولة سلاح فقيرة أم دولة سيادة مزدهرة؟

هل يمكن بناء رؤية اقتصادية واستشراف مستقبل للنمو بوجود السلاح؟ يقول روي بدارو ما يلي: «مع السلاح لا يمكن بناء رؤية وتوقعات اقتصادية. لذا، وبقراءة لنتائج الانتخابات، تبين اننا امام مجتمعين مختلفين على مستقبل البلاد بالنسبة لكل منهما. فهل سندخل في نفق فقر متفاقم، او مشروع ازدهار متعاظم ليس فقط للسياديين بل لكل اللبنانيين؟ هناك من يرى المعادلة ويفهم لغة الأرقام مقابل آخرين لا يرون ولا يفهمون تلك المعادلة. في كل التجارب العالمية السابقة وجدنا كيف تتقهقر الدول مع طغيان الايديولوجيا على الحقيقة الرقمية ( السوفيات وفنزويلا وايران وكوريا الشمالية..). واذا بقينا في لبنان على هذا المنوال سنجد ان البلاد تتصحر ديموغرافياً بالهجرة وتراجع الولادات والخصوبة وانقلاب هرم الاعمار بارتفاع الشيخوخة ... وبالتالي تتراجع الموارد البشرية بشكل كبير، وترتفع كلفة العمل ونخسر الميزة التفاضلية الاساسية للبنان».


MISS 3