جورج بوعبدو

أسامة الرحباني وهبة طوجي وإبراهيم معلوف يمدّون بيروت بـ"ليلة أمل" وإليسّا "زهرة من الياسمين"

24 أيار 2022

02 : 00

أداء راقٍ ولوحات تخطف الأنفاس

لم تتوافد الحشود من كل حدب وصوب للاحتفال بنصر انتخابي ولا تقاطر الآلاف للتصفيق لزعيمٍ يقطع وعوداً سرعان ما تتحوّل حبراً على ورق.كان هذا التوافد جمعاً من مذاق آخر، لمة حول الكلمة والموسيقى وعراقة الفن والثقافة بعيداً عن المهاترات السياسية، مقاومة من صنف آخر لبث الروح في مدينة قتلت ألف مرة لتعود وتحيا من جديد على وقع ألحانٍ خالدة. أرادها أسامة الرحباني "ليلة أمل" وتقصّد أن يحييها في "الفوروم دو بيروت" على مقربة من المرفأ الذي منذ لحظة انفجاره المفجعة غيّر معالم المدينة فاكتسح الحزن النفوس وبات الظلام حالكاً. والحق يقال إنها كانت أمسية راقية من الصنف الذي يعيد التأكيد أنّ بيروت هذه مهما حاول المغرضون تغيير هويتها وصبغها بألوانٍ هجينة لا تجيد إلا الفرح ولا تتقن إلا لغة الموسيقى والأمل. اجتمع أكثر من خمسة آلاف شخص في أول حفلة موسيقية في "الفوروم" الذي نفض عنه غبار الدمار في أكبر حفلة مجانيّة بلبنان والعالم العربيّ. خمسون موسيقياً من أبرز أعضاء الأوركسترا الفيلهارمونيّة اللبنانيّة شاركوا في أضخم حدث تشهده بيروت بعد انفجار 4 آب، ناهيك عن كورال "صوت الجنة" وعشرات الراقصين المُحترفين.



تغني مع أسامة عازفاً على البيانو


أما أبطال الحفلة فكثر أولهم المؤلّف الموسيقيّ والمُنتج أسامة الرحباني، بالاضافة الى الفنّانة هبة طوجي وزوجها العازف العالمي إبراهيم معلوف وصولاً الى الفنانة المتألقة إليسّا والفنان نادر خوري. إبهار العمل لم يقتصر على الموسيقى بل تعدّاه الى الاخراج الذي حمل بصمة مميزة للمُخرج كميل طانيوس والمُنتجة المُنفّذة ناي نفّاع، وكانت اللوحات الفنية وبراعة الديكور والاضاءة بالاضافة الى الرقصات الفولكلورية المرافقة للاغاني كفيلة بنقل الأمسية الى مستوى رفيع لا يصل إليه إلا من انحدر من سلالةٍ رحبانية.

افتتحت الامسية بأغنية: "لازم غيّر النظام" لأسامة ولعلّ أجمل ما فيها وأكثر ما حرّك المشاعر، تلك اللفتة المميزة تجاه أهالي ضحايا إنفجار مرفأ بيروت، عبر عرض فيديو قصير يُذكّر بالفاجعة على وقع أغنية "وحياة الّلي راحوا". وألقى اسامة الرحباني كلمة مقتضبة حرص فيها على شكر الجميع فرداً فرداً فذكر اسماء الجميع من دون استثناء من موسيقيين وعازفين ومصممي رقص ومخرجين وتقنيين ومصممي أزياء وصولاً الى مصففي الشعر وكل من دعم المشروع فطلب المعذرة من الجمهور لإطالة اللائحة لأنه لا يريد أن ينسى أحداً. وقال أسامة في كلمته: "نقدم فناً جميلا لنبقى منارة هذا الشرق ولنعبّر عن إختلافنا عن غيرنا بفضل مبدعينا من فنانين ومثقفين ومفكرين. ولأننا نؤمن بالفن قررنا ترجمة رغبتنا في الاستمرار ثقافياً بأمسية ثقافية فنية وفكرية. وهكذا ومتسلّحين بإرادة صلبة انطلقنا بالمشروع أنا وهبة طوجي لنقدّم أملاً جديداً تحديداً من هذا المكان بالذات الذي شهد دماراً موجعاً. أما لماذا قررنا بأن يكون الدخول مجانياً فلأننا "نكاية" قررنا القيام بفعلٍ له طابع ايجابيّ في وقت تتقلص فيه مساحة الفكر والفنون "لإنو اذا بدك تقتل شعب قتول فنّو" وهذا الذي يفعلونه بنا ولا يسعني هنا إلا أن استشهد بشرتشل الذي قال ذات يوم ابان الحرب العالمية: "إذا لم ندافع عن الفن والثقافة فعمَّ ندافع؟". فكل العالم يتذكر فنانيه وموسيقييه ومبدعيه ويكرمهم إلاّ نحن في لبنان، وكنت أتمنى لو تناول أي مرشح في برنامجه موضوع الثقافة والفن".



إليسا مؤديةً "أنا زهرة من الياسمين" من ألحان أسامة الرحباني


وشكل الفنّان إبراهيم معلوف الذي شارك الرحباني العزف أثناء غناء طوجي، قيمة فنيّة مُضافة إلى الأمسية فتفاعل معه الجمهور بشكلٍ منقطع النظير، وكان معلوف فعلاً بارعاً في أدائه وعزفه وامتع الجمهور بوجوده قولاً وفعلاً.

هبة طوجي، التي تألّقت بفستان من تصميم نيكولا جبران اعتبرت الحدث بمثابة "رسالة أمل وتفاؤل نُخاطب من خلالها اللبنانيّين الذين يعيشون حالة من الإحباط والكثير من الصعوبات المعيشيّة بعد الأزمات الإقتصاديّة والسياسيّة التي عصفت بالبلاد". وتابعت :"الثقافة والفنون هي عصب الشعوب ولغة الحياة التي يجب أن تستمرّ على الرغم من كلّ الظروف الصعبة.... لبنان حيّ ولن تقتله أو تقتلنا كلبنانيّين أيّ شدّة. مرّت علينا سنوات صعبة، تخلّلتها جائحة كورونا والظروف المأساويّة التي لا يزال يمرّ بها لبنان، وكأنّنا في نفق طويل لا يُمكننا الخروج منه. وبما أنّنا أبناء الإيمان بأنّ الحياة أقوى من الموت والحبّ أقوى من الحقد، دورنا كفنّانين هو أن نكون هذا الضوء الذي يشعّ أملاً بغد أفضل". وقدّمت طوجي عدداً من أغنياتها القديمة وخصّت الحضور بجديدها أيضاً فغنت لأوّل مرّة "راجع من رماده الفينيق" من شعر منصور الرحباني وألحان أسامة الرحباني وستكون ضمن الألبوم الجديد، و"زمان" التي تركت أثراً كبيراً لدى الجمهور و"عبالي أهرب عبالي" التي تحمل نمطاً وجدانياً خاصاً. ثم كرّت الاغنيات التي حصدت لطوجي شهرة واسعة على غرار "بغنّيلك يا وطني" و"لمعت أبواق الثورة" و"خلص لشو نتجادل" وغيرها...



ابراهيم معلوف


وكانت مُفاجأة الحفلة مُشاركة النجمة إليسّا التي قدّمت أغنية جديدة بعنوان "أنا زهرة من الياسمين" من ألحان أسامة الرحباني وكلمات كمال قبيسي أهدتها إلى بلدها لبنان وكانت الاغنية راقية للغاية ونالت على الفور استحسان الجمهور لجمال اللحن وأناقة الكلمة، وتقول الاغنية في مطلعها: "أنا اهلك، أنا حبابك، أنا العطر اللي عتيابك، أنا الطيون والزيتون، صفحة بيضا بكتابك/ انا زهرة من الياسمين مليانة عشق وحنين/ بياضي من تلج صنين وحضني الدافي بترابك".

وقد أبدت إليسّا سعادتها "لعودة الأمل إلى بيروت من خلال "ليلة أمل" وأثنت على صوت هبة طوجي وأدائها، قائلةً عنها بأنها لمعت في كلّ الأماكن، داخل لبنان وخارجه ولم يفت الفنانة الاشادة بالدور الذي أداه إبراهيم معلوف بعد انفجار المرفأ بجمعه الفنّانين الفرنسيّين تضامناً مع بيروت. ثمّ أدّى كلّ من إليسّا وهبة طوجي أغنية مُشتركة هي مزيج من ألحان الراحل الياس الرحباني، في تحيّة إلى روحه.



إليسا وطوجي في تحية لروح الياس الرحباني


كخلاصة مفيدة للأمسية يمكننا أن نجزم بأنّ اسامة نجح بإعادة بيروت الى جوهرها الحقيقي: مدينة للحياة والثقافة والفنّ وكثير من الفرح!


MISS 3