د. سيلفا بلوط

مقاربة سيكولوجيّة للناخب اللبنانيّ والشبه بأزمة المراهقة

24 أيار 2022

02 : 00

تحفل الحياة السياسيّة في لبنان بمفارقات عدّة، ومنها ما يتعلّق بالجانب السيكولوجي للمواطن اللبناني الذي يعيش تحت وطأة أزمة إقتصاديّة مأسويّة أمعنت على مدى سنوات طويلة في استنزاف حياته النفسيّة، حتى وصل به الأمر إلى اليأس والإحباط اللذيْن انعكسا على أوضاعه الشخصيّة والأسريّة، والإجتماعيّة، والمهنيّة...

وممّا لا رَيب فيه، أن الحياة النفسيّة للبناني تتخبّط في الكثير من الأزمات وعلى الصعد كافة، وخصوصاً عندما حان الإستحقاق الإنتخابيّ الذي يشكّل مفصلاً لللإنتقال إلى مرحلة جديدة وفرصة لمساءلة من تسبّب بحرمانه من حقوقه كمواطن ومحاسبته. بمعنى آخر، فإن هذا الإستحقاق يُثقل كاهله أكثر ممّا يشكّل مناسبة مرتجاة لحصوله على حياة كريمة من خلال تأمين هذه الحقوق (الضمان الصحّي، التعليم، ضمان الشيخوخة، ضمان البطالة، تأمين فرص عمل...) نظراً للواقع السياسيّ اللبنانيّ الذي يشوبه الكثير من العيوب والمساوئ.

أفسحت مراقبة المُعاش في المجال للتعرّف إلى ديناميّة الحياة النفسيّة للناخب التي أخذت منحى التعقيد والشعور بالإحباط والخيبة، فأتى الإستحقاق النيابيّ ليكشف عن مدى معاناته النفسيّة، وعن أزمته الوطنيّة التي يمكن تعريفها بأنها «أزمة هويّة» شبيهة بأزمة مرحلة المراهقة، حيث فيها الفتى نفسه أمام مفترق طريقَين، ويقع في حالة من الإزدواجيّة والضياع، فنراه من جهة عاجزاً عن سلوك أحدهما ومتردّداً، من جهة أخرى، في إختيار أيّهما يسلك.

و لا بدّ لنا قبل تناول أزمة «هويّة الناخب» اللبنانيّ النفسيّة، من عرضٍ موجزٍ لأزمة «هويّة المراهق».

تعدّ أزمة المراهق «أزمة هويّة» لأن الفتى يعيش صراعاً بين الرغبة في التفلّت من القيود التي يضعها والداه عليه، والشعور بالإستقلاليّة والتفرّد، وبين شعوره بالعجز في مواجهة هذا التفلّت وحاجته إلى البقاء في ظلّ كنفهما، والتبعيّة لهما. بمعنى آخر، فإنه يعيش في حالة تجاذب بين ما يريده ويتمنّاه، وبين ما يريده والداه ويفرضانه عليه. فيُصاب بسبب هذا التجاذب بحالة من الإرهاق. ومن هنا أتت تسمية مراهقة لهذه المرحلة من حياة الإنسان.

وبالعودة إلى المقاربة السيكولوجيّة للناخب اللبناني، من الملاحظ كذلك أنه مثله مثل المراهق يعاني ضمنيّاً حالة من التخبّط والصراع بين انتمائه الطائفيّ، والخضوع للقوى التقليديّة من جهة، وبين شعوره بالعجزعن الخروج من هذا الإنتماء، والتفلّت منه، والإلتحاق بقوى التغيير. وممّا لا شكّ فيه، أن هذه الرغبة في التحرّر من إنتمائه الطائفيّ تعكس عدم اقتناعه بأولويّة الولاء لهذا الإنتماء. فهو يعلم جيّداً أن هذا الولاء تفرضه حاجته للإنتفاع من المحاصصة الطائفيّة السائدة في سبيل الحصول على وظيفة، أو منصب أو خدمة من الخدمات اليوميّة، لأنه، كما هو معلوم، فإن المؤسّسات الطائفيّة في لبنان تفرض نفسها «كعرّابة» متشدّدة للنظام السياسيّ القائم، وتتصارع لتتقاسم المصالح والنفوذ في ما بينها، بغية الإستمرار في القبض على السلطة والتحكّم بها، وإبقاء المواطن بالتالي خاضعاً لسلطانها لسلطانها، ورهين الفقر والذلّ والحالة الزبائنيّة.

صحيح أن النظر إلى سيكولوجيّة الناخب اللبنانيّ تتطلّب تحليلاً أكثر عمقاً، وتحتاج إلى دراسة ميدانيّة ومتعدّدة الأبعاد والدلالات كأيّ ظاهرة إنسانيّة، إلّا أنه كان لا بدّ من محاولة مقاربتها لتقديم توضيح موجزٍ للمعاناة التي يعيشها غالبيّة الشعب اللبنانيّ الذي يعيش في ظلّ نظام طائفيّ فاشل، ويئنّ تحت وطأة الفقر، والعوز، والشعور بعدم الإستقرار والأمان...

خلاصة القول، إن حلّ هذه الأزمة النفسيّة للمواطن يبدأ، قبل كلّ شيء، في تغيير النظام السياسيّ الطائفيّ السائد إلى نظام علمانيّ ودولة مدنيّة تحرّره بتشريعاتها المتقدّمة، على العموم، من العبوديّة الطائفيّة، وتحرّر الناخب، خصوصاً، من قيود قوانين إنتخابيّة وإفرازاتها النيابيّة، طالما جعلته ضحيّة لأزمة هويّة سواء على مستوى الحياة النفسيّة أو على مستوى المواطنة، أو على الإثنين معاً.