هل تحتاج إلى علاج الأسبرين؟

02 : 00

تُجمِع الأوساط الطبية على استفادة المصابين بأمراض القلب من أخذ جرعة يومية صغيرة من الأسبرين لتخفيض خطر التعرض لنوبات قلبية أو جلطات دماغية. لكن ماذا لو لم تكن مصاباً بمرض في القلب؟ هل يجب أن تأخذ الأسبرين حينها كدواء وقائي؟ قد لا تكون هذه الخطوة صائبة وفق أحدث الأبحاث. تكشف الدراسات أن مخاطر النزيف قد تفوق منافع الأسبرين اليومي لدى غير المصابين بأمراض القلب. حتى أن توجيهات "الكلية الأميركية لأمراض القلب" و"جمعية القلب الأميركية" تعارض هذه الخطوة بشكلٍ قاطع.

يقول الدكتور كريستوفر كانون، رئيس الأطباء في قسم أمراض القلب والأوعية الدموية في مستشفى "بريغهام" للنساء التابع لجامعة "هارفارد: "وفق التوصيات الطبية العامة اليوم، يجب أن تأخذ علاج الأسبرين على الأرجح إذا كنت مصاباً بمرض في القلب، وإلا يجب أن تُقيّم خطر إصابتك بأمراض القلب خلال السنوات العشر المقبلة وتناقش الموضوع مع طبيبك".

قد تبدو هذه التوصيات بسيطة ظاهرياً، لكن يأخذ الكثيرون الأسبرين بلا مبرر ومن دون استشارة أطبائهم في معظم الأوقات. يكشف استطلاع نشرته "حوليات الطب الباطني" في العام 2019 وشمل 14 ألف شخص في عمر الأربعين وما فوق أن ربع الأشخاص من غير المصابين بأمراض القلب يأخذون الأسبرين يومياً، ويتخذ حوالى 23% منهم قرارهم من دون استشارة الطبيب. أكثر ما يثير القلق هو إقدام نصف المشاركين في عمر السبعين وما فوق على أخذ الأسبرين يومياً مع أنهم غير مصابين بأمراض في القلب.

يوضح كانون: "قد يستفيد البعض من علاج الأسبرين، لكن يكون الدواء غير مناسب أو خطيراً في حالات أخرى. يجب ألا يبدأ أحد بأخذ الأسبرين يومياً لمجرد أنه سمع بمنافعه، بل يُفترض أن ينجم هذا القرار عن نقاش مشترك مع الطبيب".

قد يصف لك طبيبك علاج الأسبرين بناءً على حاجاتك الخاصة واحتمال إصابتك بالنزيف أو النوبات القلبية أو الجلطات الدماغية. بشكل عام، تتراوح الوصفات الطبية بين جرعة منخفضة (81 ملغ) وجرعة كاملة (325 ملغ). تكشف الدراسات أن المنافع تبقى متشابهة عموماً في الحالتَين. لكن يبرز رابط بين الجرعة المنخفضة وتراجع خطر النزيف، لذا يوصي الأطباء بأقل جرعة ممكنة.

كيف يمكن إضافة علاج الأسبرين إلى خطتك الصحية لحماية قلبك إذاً؟ إليك ما يجب أن تعرفه عن هذا الدواء والحالات التي تستدعي استعماله أو تجنّبه.

ما الرابط بين الأسبرين والجلطات؟

يسهم الأسبرين في الوقاية من النوبات القلبية والجلطات الدماغية عبر التأثير على تخثر الدم. حين ينزف جرحك، تجتمع خلايا على شكل صفائح حول موقع الجرح وتشارك في تشكيل سدادة لإغلاق الفتحة في الوعاء الدموي، ما يسمح بوقف النزيف.

لكن تُسبب هذه العملية تخثراً غير مرغوب فيه أحياناً. في هذه الحالة، قد تؤدي الرواسب الدهنية الناشئة في الشرايين التي تغذي القلب والدماغ إلى إبطاء تدفق الدم بما يكفي لتشكيل جلطات صغيرة. كذلك، قد يتمزق عدد من تلك الرواسب فجأةً، بما في ذلك الأصغر حجماً بينها. تطلق هذه الرواسب عناصر قادرة على جذب الصفائح وتشكيل جلطة سريعة، ما يؤدي إلى إعاقة تدفق الدم واحتمال التعرض لنوبة قلبية أو جلطة دماغية.

من الناحية الإيجابية، تصبح الصفائح أقل لزوجة بفضل الأسبرين، ما يمنعها من الالتصاق ببعضها لتشكيل الجلطات. لكن من الناحية السلبية، يزيد خطر النزيف بسبب تراجع التخثر، لا سيما في الجهاز الهضمي. حتى أن الأسبرين قد يُضعِف البطانة التي تحمي المعدة من الأحماض، فتصبح الأمعاء والمعدة أكثر عرضة للقرحة والنزيف. تتعدد أعراض نزيف الجهاز الهضمي، منها البراز الأسود، وتقيؤ كتل دم أشبه بتفل القهوة، والضعف الجسدي.






بين المنافع والمخاطر

أكبر المستفيدين من علاج الأسبرين هم المصابون بأمراض القلب، أو من أصيبوا سابقاً بنوبة قلبية أو جلطة دماغية بسبب تخثر الدم (جلطة إقفارية). في هذه الحالات، تُخفّض جرعة الأسبرين اليومية احتمال التعرض لهذا النوع من النوبات مستقبلاً. كذلك، يسهم الأسبرين في الوقاية من الجلطات الدموية في شرايين القلب لدى من يضعون دعامة أو خضعوا لجراحة فتح مجرى الشريان التاجي.

بشكل عام، يجب أن يفكر مرضى السكري، بين عمر الأربعين والسبعين، بأخذ علاج الأسبرين إذا كانوا معرّضين لأمراض القلب. تكون نسبة الخطر مرتفعة عندما يبلغ احتمال الإصابة بنوبة قلبية أو جلطة دماغية 10% على الأقل خلال السنوات العشر المقبلة.

في المقابل، يجب أن يناقش مرضى السكري الخيارات المتاحة أمامهم مع أطبائهم إذا كانت نسبة تعرضهم لأمراض القلب منخفضة (أقل من 10% خلال عشر سنوات). يوضح كانون: "أحياناً، تكون مخاطر النوبات القلبية والنزيف شبه متساوية. يجب أن يتخذ المريض قراره في مطلق الأحوال بعد التشاور مع طبيبه لتحديد الخطر الذي يفضّل تجنبه: النوبة القلبية أو النزيف".

على صعيد آخر، قد يكون علاج الأسبرين مناسباً لأكثر الأشخاص عرضة لأمراض القلب بناءً على أدلة واضحة تثبت تراكم الصفائح في الشرايين. تظهر تلك الأدلة خلال فحوصات مثل فحص الكالسيوم في الشريان التاجي، أو الأشعة المقطعية، أو تصوير شرايين العنق بالموجات فوق الصوتية. في هذه الحالة، تفوق منافع الأسبرين مخاطره. لكن تتوقف حاجة المريض إلى الأسبرين على وضعه الفردي.

وتبرز أيضاً بعض الحالات المبهمة. يأخذ البعض الأسبرين يومياً منذ عقود رغم عدم إصابته بأمراض في القلب وتراجع خطر تعرّضه للنوبات القلبية أو الجلطات الدماغية، ومع ذلك لا يواجه المريض مشكلة النزيف. هل يُفترض أن يوقف هؤلاء علاجهم الآن؟ وفي حالات أخرى، تتراجع نسبة الخطر خلال فترة عشر سنوات لكن يكون مستوى الكولسترول مرتفعاً أو أعلى من المعدل بقليل. في حالات مماثلة، يجب أن يستشير الفرد طبيبه لمناقشة المخاطر والمنافع المحتملة في حالته.

بشكل عام، يجب أن يتجنب غير المصابين بأمراض القلب والأوعية الدموية الأسبرين المستعمل لتفادي النوبات القلبية أو الجلطات الدماغية بعد عمر السبعين. وفق دراسة نشرتها "مجلة نيو إنغلاند للطب" في 18 تشرين الأول 2018، يرتفع خطر الإصابة بنزيف حاد عند أخذ الأسبرين يومياً ومن دون تلقي أي منافع صحية بارزة. وحتى لو كنت تأخذ الأسبرين منذ وقت طويل للوقاية من أمراض القلب، يجب أن تفكر بوقف الدواء في عمر السبعين. لكن من الأفضل أن تستشير طبيبك أولاً في مطلق الأحوال.

أخيراً، يجب أن يتجنب أكثر الأشخاص عرضة للنزيف علاج الأسبرين على الأرجح. ينطبق ذلك على من أصيبوا يوماً بنزيف في الجهاز الهضمي، أو قرحة في المعدة، أو انخفاض في عدد الصفائح الدموية، أو اضطرابات تخثر الدم، وكل من يأخذ مضادات الالتهاب غير الستيرويدية لمعالجة التهاب المفاصل أو أمراض التهابية أخرى.


MISS 3