الأبقار تحتاج إلى الأصدقاء للشعور بالسعادة!

00 : 59

الأبقار حيوانات مُصمَّمة كي تتبع نمطاً متشابهاً. سواء كانت من نوع هولشتاين البيضاء والسوداء أو جيرسي البنّية، تعلّق جانب مذهل في هذا القطيع بطريقة إقناعه بتطابقه مع مرور الوقت. تتسم الأبقار المتشابهة بعيون ناعسة ومتطابقة، وفك مائل، وفم مليء بالعلف، وحركة اجترار موحّدة. تطغى مجموعة صغيرة من السلالات على الأبقار ومشتقات الحليب وقطاع تصنيع الجلد حول العالم. لكن أثارت آني ديلارد الجدل سابقاً في فرجينيا حين كتبت: "الماشية نتاج بشري مثل الحرير الصناعي. هي تشبه حقلاً من الأحذية". بعبارة الأخرى، تُعتبر الماشية من صنع البشر. في آخر أربعين سنة فقط، حاول علماء الزراعة زيادة إنتاج الحليب عبر تغيير 23% من جينوم الهولشتاين على الأقل.

قد يتفاجأ كل من يخطئ في التمييز بين مختلف الأبقار حين يكتشف أن هذه الحيوانات لا تتعرف على بعضها البعض ككائنات فردية فحسب، بل تفضّل أصدقاءها على الآخرين. فقد تبيّن أنها تهتم بأبقار محددة أخرى وتتعاطف معها. يُقال إن حياتها الاجتماعية تشبه مشاعر الأخوّة.

لكن ما معنى الصداقة في عالم الأبقار؟ طوال عقود، كانت الدراسات السلوكية المرتبطة بالماشية تميل إلى التركيز على العدائية لأن القتال بين الحيوانات قد يؤدي إلى إصابات جسدية وخسائر اقتصادية. لم يراقب أحد يوماً معنى الرفقة بين الأبقار، أو لم يخضع هذا المفهوم على الأقل لأبحاث علمية. لكن بعدما زادت أحجام القطيع وتلقّت أعداد إضافية من الأبقار أغذية مكثفة، توسّعت الدوافع التي تدعو إلى فهم مستوى إجهاد الأبقار وقوة تحمّلها.

يظن الباحثون اليوم أن الصداقة بين الأبقار يتم التعبير عنها بشكلٍ أساسي عبر الرعي واللعق. تمحورت دراسة حول قطيع تجاري في بريطانيا، واكتشفت أن أكثر من نصف الحيوانات التي ترعى أمضت وقتها في الأكل والراحة إلى جانب حيوان آخر محدد. كانت الأبقار التي اجتمعت بأقرب أصدقائها منفصلة عن المجموعة الأكبر حجماً، وحافظت على إيقاع قلب أبطأ من غيرها ولم تَدُس بقوة على الأرض أو تُحرّك رأسها أو تُسرّع إيقاعها أو تتمايل بقدر الأبقار التي وقفت بالقرب من حيوانات غريبة عنها. باختصار، بدت هذه المجموعة أقل توتراً. ذكرت دراسة مختلفة أن الأبقار تمكنت من رصد حيوانات أخرى تعرفها على أرض الواقع استناداً إلى الصور التي عادت واتجهت نحوها لاحقاً.

في ما يخص حركة اللعق، راحت الأبقار تلعق رؤوس وأعناق وظهور أبقار أخرى لسببٍ مشابه لما يدفع قرود الشمبانزي إلى تنظيف بعضها البعض: تعزيز التقارب في ما بينها. نُشِرت مجموعة من النتائج منذ بضع سنوات، وكشفت أن اللعق لدى الأبقار النمسوية يُخفّض معدلات ضربات قلوب الأبقار، لكن تقتصر هذه الملاحظة على الحيوانات التي يتم لعقها. في كينيا، تلعق أبقار زيبو الحيوانات الأخرى لكن من دون مقابل.شملت دراسة طويلة الأمد ومبنية على المراقبة قطيعاً من 31 بقرة زيبو في سهول "آثي"، ففضّلت معظم الحيوانات لعق صديق مشابه لها. وفي أي صداقة مماثلة، لوحظ أن بقرة واحدة كانت تتولى اللعق دوماً. لكن لم يكن هذا التسلسل الهرمي يتماشى مع البنية الاجتماعية للماشية. لم تكن الأبقار الطاغية أبرز من تولى اللعق. ولم يتمكن الباحثون من تحديد السبب الذي يجعل الحيوانات تتقبل اللعق من دون إبداء أي رد. مع ذلك، بدا وكأن الأبقار تحافظ على الحلفاء نفسهم لسنوات.

قد نفترض أن الارتباط العاطفي للأبقار هو أثر جانبي للترويض، لكن تثبت الأدلة المتاحة أن الأبقار البرية أيضاً تشكّل شراكات صادقة. يتقرب ذكور الجواميس الأكبر سناً مثلاً من ثيران أخرى أحياناً. في ما يخص هذه المجموعة وحيوانات عاشبة أخرى تتجمع بأعداد كبيرة جداً، ربما أصبحت الصداقة مفهوماً تكيفياً على مر الأجيال لأن الأعداد التي تبقى متجمّعة ومتأهبة ضد الحيوانات المفترسة كانت الأكثر ميلاً إلى الصمود.

سواء كانت الصداقة بين الأبقار إرثاً تطورياً أو لم تكن كذلك، لا تسمح حياة الأبقار التجارية والمُعدّة لإنتاج الحليب بإقامة أنواع أخرى من التواصل الاجتماعي. تخضع معظم الأبقار في الولايات المتحدة للتلقيح الاصطناعي مثلاً للحمل بعجول تزيد إنتاج الحليب (حملت بقرة واحدة من نوع هولشتاين، مولودة في العام 1974، أكثر من 80 ألف عجل). وفي معظم الحالات، تنفصل العجول عن أمهاتها بعد فترة قصيرة من ولادتها. وبما أن التفاعلات بين الذكور والصغار مستحيلة في هذه الظروف، هل يمكن أن تملأ الصداقات بين الإناث هذا الفراغ؟

للأسف، لا يتسنى لعدد كبير من الأبقار أن يكتشف الجواب. تميل هذه الحيوانات إلى نسيان صداقاتها سريعاً: بعد الانفصال لأسبوعين فقط، لم تعد الأبقار القريبة من بعضها تتبنى تصرفات تنمّ عن الصداقة أو تعكس آثاراً إيجابية. إنها ظاهرة لافتة لأن مزارع مشتقات الحليب الواسعة قد تعيد تجميع المواشي بين أربع مرات و12 مرة سنوياً. وبما أن الأبقار المجرّدة من أصدقائها تصاب بأعراض الحزن، يبدو أن إعاقة صداقات الأبقار تزيد معاناة هذه الحيوانات.

أخيراً، يبدو أن الصداقة بين الأبقار والناس تؤثر على إنتاجية الحيوانات وسعادتها أيضاً. وفق استطلاع شمل أكثر من 500 مزرعة بريطانية لمشتقات الحليب في العام 2009، تبيّن أن الأبقار التي حملت أسماءً محددة أنتجت كمية حليب إضافية، بمعدل 258 ليتراً، مقارنةً بتلك التي لم تحمل أي اسم ولم يعترف بها أحد ككائنات فردية.


MISS 3