البنك الدولي: الناتج المحلي اللبناني ينكمش 6.5% في 2022

02 : 00

أعلن المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار جاه أنه «على الرغم من التحذيرات المبكرة، أضاع لبنان وقتاً ثميناً، والعديد من الفرص لتبنِّي مسار لإصلاح نظامه الاقتصادي والمالي. إن تكاليف التقاعس والتلكؤ هائلة، ليس فقط على الحياة اليومية للمواطنين، وإنما أيضاً على مستقبل الشعب اللبناني. وبعد مرور عامين ونصف على الأزمة، لم يشرع لبنان حتى هذا التاريخ في تطبيق برنامج شامل للإصلاح والتعافي يحول دون إنزلاق البلاد إلى مزيد من الغرق. وينطوي استمرار التأخير المتعمد في معالجة أسباب الأزمة على تهديد ليس على المستوى الاجتماعي والاقتصادي فحسب، وإنما أيضاً على خطر إخفاق منهجي لمؤسسات الدولة وتعريض السلم الاجتماعي الهش لمزيد من الضغوط».

ووافق مجلس المديرين التنفيذيين لمجموعة البنك الدولي في العشرين من أيار على تقرير مراجعة الأداء والدروس المستفادة لإطار الشراكة الإستراتيجية للبنان الذي يُلخِّص التقدم المحرز في التنفيذ خلال السنوات المالية 2017-2022، ويُنقِّح أهدافه في وقتٍ يشهد فيه لبنان إحدى أشد الأزمات الاقتصادية والمالية في التاريخ الحديث. ويُمدِّد تقرير مراجعة الأداء والدروس المستفادة أيضاً فترة تنفيذ إطار الشراكة الإستراتيجية عاماً إضافياً (خلال السنة المالية 2023) لتعزيز برامج التعافي الاجتماعي والاقتصادي التي تشتد الحاجة إليها وتستهدف الفئات الفقيرة والأكثر هشاشة، ودعم مسار إصلاحات الاقتصاد الكلي والإصلاحات الهيكلية التي أصبحت ضرورية لإنقاذ البلد.

ويشير تقرير البنك الدولي الى أنه خلال فترة تنفيذ إطار الشراكة، عصف بلبنان عدد من الأزمات المتفاقمة والمتشابكة: أزمة اقتصادية ومالية قاسية، وجائحة كورونا (كوفيد-19)، وانفجار مرفأ بيروت، وأخيراً أزمة أمن غذائي نتيجة للحرب في أوكرانيا.

ووفقا لتحليل البنك الدولي، هوى إجمالي الناتج المحلي الاسمي من قرابة 52 مليار دولار أميركي في 2019 إلى مستوى متوقع بقيمة 21.8 مليار دولار أميركي في 2021، مسجلاً انكماشاً نسبته 58.1%. وواصل سعر الصرف تراجعه الشديد، متسبباً في دخول معدلات التضخم في خانة المئات. وقد أدَّت هذه الأزمات إلى تفاقم المصاعب الاجتماعية التي أثَّرت على الأسر الفقيرة والمحتاجة أكثر من غيرها، وزيادة الهوة وعدم المساواة بين الفئات المجتمعية. وفي ظل التقاعس السياسي، أحدثت الأزمات، التي لم يتم إيجاد الحلول لها، أضراراً طويلة الأمد في الاقتصاد والمجتمع في لبنان: فالخدمات العامة الأساسية تتهاوى، ومعدلات البطالة تزداد بشكل حاد، ورأس المال البشري يتعرض لاستنزاف شديد. ويعاني القطاع الخاص من معوقات جسيمة من جراء شلل النظام المالي. وقد أفضى انخفاض إنتاجية الشركات ومعدلات توليد الإيرادات إلى انتشار تسريح العمالة وحالات الإفلاس. وإذا استمر التقاعس في إصلاح السياسات، فمن المتوقع أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 6.5% في 2022.

واعتبر التقرير إنَّ المعوقات الرئيسية للتنمية في لبنان التي تم تحديدها في الدراسة التشخيصية المنهجية الخاصة بلبنان لا تزال قائمة، وهي إستيلاء النخبة على السلطة تحت ستار الطائفية، والتعرض للصراع والعنف. وأوجدت هذه المعوقات نظاماً سياسياً هشاً قاصراً، ودولة عاجزة عن عزل الصراع السياسي عن قدراتها للحكم وممارسة السلطة. وتُجسِّد إدارة الأزمات إلى أي مدى تآكلت قدرات نظم الحوكمة الرشيدة، وكذلك الشلل السياسي الذي أوجدته هيمنة النخبة. وفي هذا السياق، يستند تقرير مراجعة الأداء والدروس المستفادة إلى ثلاثة سيناريوات محتملة يمكن من خلالها أن تنشأ تسوية سياسية جديدة - وهي الجمود السياسي، والحد الأدنى من التوافق في الآراء، والتحول السياسي. ويفرض كل سيناريو مجموعة مختلفة من القيود والمعوقات والفرص لبلورة برنامج عمل البنك الدولي.

ولفت الى أنه «وفقا للدعوات التي أُطلقت سابقاً، من الضروري أن يسارع لبنان في المرحلة المقبلة إلى اعتماد خطة ذات مصداقية لتعافٍ شامل ومنصف لتحقيق الاستقرار المالي الكلي، وتسريع وتيرة تنفيذها لتفادي دمار كامل لشبكاته الاجتماعية والاقتصادية، وإيقاف الخسائر التي لا يمكن تعويضها في رأس المال البشري.

ورأى التقرير انه «رغم استمرار تدهور مستويات الحوكمة في لبنان خلال تنفيذ إطار الشراكة الإستراتيجية، استطاعات بعض النقاط المؤسسية الإيجابية تحقيق مستوى من الشفافية والمساءلة في توفير الخدمات الحكومية وكسب ثقة المواطنين. وتشمل الأمثلة في هذا الصدد مستشفى رفيق الحريري الجامعي، ومنصة إمباكت (IMPACT)، وهي منصة لتكنولوجيا المعلومات من التفتيش المركزي في لبنان. وفي المستقبل، سيكون بناء وتعزيز القدرات المؤسسية أمراً حيوياً، ويتطلب استثمارات في الوقت المناسب، وتدريباً ودعماً مالياً لدعم الإدارات العامة وتحقيق التنمية المستدامة.

ويلزم بذل جهود كبيرة لحث خطى أجندة إصلاح أنظمة الحوكمة. وهذا أمر بالغ الأهمية لتجديد العقد الاجتماعي، وترميم علاقة الثقة المُحطَّمة بين المواطن والدولة لا سيما في هذا المنعطف الحرج. وتتمثل بعض المجالات الرئيسية على هذا الصعيد في إصلاح نظام الشراء العام، وإصلاح الإدارة المالية العامة، وتعزيز الرقابة المالية للبرلمان، واستقلالية القضاء.

في ظل هذه الظروف من اقتصاد متدهور وبيئة سياسية يشوبها عدم اليقين، يقوم تقرير مراجعة الأداء والدروس المستفادة بتحديث إطار الشراكة الإستراتيجية لجعله أكثر تركيزاً على الناس، مع توخي مزيد من الانتقائية في مجموعة ضيقة من القطاعات التي تعود بالنفع بشكل مباشر على الفئات الفقيرة والأكثر احتياجاً ومنها اللاجئون، وإرساء العناصر الأساسية لبرنامج إصلاحي. ويُعدِّل تقرير مراجعة الأداء والدروس المستفادة المجالات ذات الأولوية لإطار الشراكة الإستراتيجية وإطار نتائجه. ويهدف هذا التعديل إلى تدعيم استجابات التصدي للأزمات، وتخفيف آثارها الاجتماعية والاقتصادية، وترسيخ العناصر الأساسية لمعالجة التحديات الهيكلية الكامنة في مجال الحوكمة والنموذج الاقتصادي.

وشدّد التقرير على أن حقوق المرأة لا تزال تواجه معوقات قانونية ومؤسسية واجتماعية تعكس مستويات مقلقة لاستبعاد المرأة عن قطاعات هامة وحيوية. واستحدث تقرير مراجعة الأداء والدروس المستفادة محور تركيز مشترك لمخاطبة الفرص الاقتصادية ومعالجة المعوقات التي تواجهها النساء في أسواق العمل وتعزيز ريادة الأعمال للنساء. وسيكون هذا مُكمِّلاً للبرامج والجهود التي تجري بالفعل في سياق برنامج تمكين المرأة في المشرق.