خالد العزي

موسكو تُسوّق لسيناريو تقاسم أوكرانيا

1 حزيران 2022

02 : 00

من"«هندسات" الآلة العسكريّة الروسيّة في أوكرانيا (أ ف ب)

ردّت روسيا على الرسالة الأميركية الموجهة إليها الأسبوع الماضي عبر «بطريرك» السياسة الأميركية في دافوس هنري كسينجر، صديق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث حضر خصيصاً لتوضيح الموقف الأميركي، وأنه لا يزال من الممكن التفاوض بين واشنطن وموسكو على إنهاء الحرب في أوكرانيا وإعطائها جزءاً من الأراضي الأوكرانية، قبل إمداد سلطة كييف بسلاح هجومي متطوّر.

أتى الردّ بتاريخ 27 أيار الماضي من خلال ثلاثة أصوات موالية لبوتين للتأكيد على المواقف الثابتة لروسيا بما خصّ الأزمة، فكانت الرسالة الأولى التي أطلقها رئيس الشيشان رمضان قديروف الذي أعلن فيها أن «المهمة في أوكرانيا والتوجّه القادم نحو بولندا»، وهذا تصريح خطر واستفزازي للجميع.

أمّا الرسالة الثانية فكانت من الرئيس الأوكراني المخلوع فيكتور يانوكوفيتش الذي اعتبر أن التقارب الظرفي الحالي بين كييف ووارسو يُمكن أن يؤدّي إلى الاندماج الفعلي لأوكرانيا مع بولندا، معرباً عن مخاوفه من أن تكون دولة أوكرانيا في خطر الإبادة الكاملة نتيجة للغزو البولندي المحتمل.

والرسالة الثالثة وجّهت من بيلاروسيا، حيث أعلن رئيسها ألكسندر لوكاشينكو تأسيس القيادة العسكرية الجنوبية والتي يتمّ تكليفها بمهام مختلفة نوعاً ما، حيث تستعدّ مينسك للقتال ليس ضدّ الأوكرانيين ولكن ضدّ البولنديين، وليس على أراضي بيلاروسيا، ولكن على أراضي أوكرانيا.

هذه التصريحات تخلط الأوراق بالنسبة إلى الأزمة الأوكرانية التي تتفاقم تدريجيّاً بسبب الغزو الروسي وعجزه عن تحقيق أهدافه، ما اضطر موسكو لاحقاً إلى خلق أزمة جديدة لإبعاد الأنظار عمّا يحدث في شرق أوكرانيا من إبادة وتدمير وحشي.

يُمكن القول إن روسيا لا ترى موقف أوكرانيا من بيلاروسيا سوى موقف عدائي، بالرغم من أنها استخدمتها كثكنة عسكرية لشنّ هجوم واسع من أراضيها على كييف وضواحيها، انتهى بنكسة للجيش الروسي، ما أجبر لوكاشينكو على التراجع عن مواقفه التي أعلنها إبان الغزو الروسي لأوكرانيا بأن حكومتها ستُهزم خلال 3 أيام.

منذ النصف الثاني من العام 2020، عندما بدأ الصراع البيلاروسي - الأوروبي، اتخذت كييف موقفاً صارماً مناهضاً لمينسك، لعدم استباحة الحدود الدولية وخرقها من بيلاروسيا المدعومة من روسيا لتسهيل عبور اللاجئين والوصول إلى أراضي الاتحاد الأوروبي، كورقة ضغط ضدّهم لتغيير مواقفهم الداعمة للمعارضة البيلاروسية.

قد يكون لتعميق التعاون بين بولندا وأوكرانيا تداعيات سياسية كبيرة ليس فقط على هذين البلدين، وإنّما ما يحدث يؤثر بشكل مباشر على جيرانهم، بما في ذلك بيلاروسيا وروسيا. لقد أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأسبوع الماضي حزمة غير مسبوقة من المزايا لمواطني بولندا، حيث تم رفع حقوقهم إلى مستوى مواطني أوكرانيا، إذ سمحت كييف رسميّاً للشرطة البولندية بتنفيذ مهام إنفاذ القانون على أراضي أوكرانيا.

لا بدّ من الإشارة إلى أن بولندا تعتبر الداعم الأوّل لنظام كييف في الحرب الروسية - الأوكرانية، وقد استقبلت على أراضيها أكثر من 4 ملايين لاجئ أوكراني. وهذا التعاون بين البلدَيْن أقلق روسيا وبيلاروسيا من جهة، وفتح لها ثقباً في جدار الأزمة يرتكز عليه سيناريو التفاوض مع الغرب من جهة أخرى.

وعلى اثر هذا التقارب في العلاقة بين كييف ووارسو، شنّت موسكو حملة شرسة ضدّ الحكومة الأوكرانية وروّجت لتوجّه بولندا لاقتطاع الغرب الأوكراني من أوكرانيا والتحضير لغزو غرب بيلاروسيا لتوسيع سلطتها على الأجزاء المقتطعة.

تُحاول موسكو القول إن مشكلة كييف أضحت موجودة في التقارب البولندي - الأوكراني الذي يُهدّد سيادة الدولة في مسعى لتجاهل القضية الأساسية التي تسبّبها موسكو في قضم أراضي دولة مستقلّة في الشرق والجنوب، وتدّعي بأنها تقوم باصلاح تاريخي للحدود منذ أيام الأمبراطورية الروسية، وخاصة أن هذه الحملة العسكرية ساهمت بتدمير مدن ونواح كثيرة وتهجير أهلها، عكس ما ادّعت روسيا بأنها تعمل على وحدة أراضي الدولة وسيادتها وحماية الشعب.

رسالة موسكو للغرب وتحديداً لواشنطن باتت واضحة، بأن التفاوض على تقاسم أوكرانيا، أي شرق البلاد وجنوبها حيث يدور القتال حاليّاً ستكون الكلمة الفصل فيها لروسيا، ووسط البلاد وغربها تحت التصرّف الغربي والبولندي، ويكون الكلمة الفصل فيها لأميركا.

تقوم روسيا بتسويق سيناريو تقاسم أوكرانيا بينها وبين الغرب وتأسيس كيان جديد يشبه النظام في البوسنة (مجلس رئاسي) يكون الفيتو فيه إلى الخارج، وهي تعلم أن الولايات المتحدة هي من يحلّ الأزمة الحالية وليس الحكومة الأوكرانية التي لا تعترف بها، وهذا هو الثابت في موقفها حتّى اللحظة.


MISS 3