خالد أبو شقرا

أفكار وسيطة للخروج من الأزمة قبل أن يأخذ الإنهيار شكل "I"

بين الصندوق السيادي وشطب الديون... حلاّن "أحلاهما مرّ"

1 حزيران 2022

02 : 01

شطب الديون قد يقضي على مدّخرات المودعين ويحرم الاقتصاد من النمو (فضل عيتاني)
إستعارت المصارف من «عمو أبو فؤاد» حلّه السحري لإزالة «أوساخ» الانهيار النقدي. البائع الظريف كان لديه «YES» 3 بـ 1 «للغسيل والجلي والتنظيف»، وللمصارف صندوقها السيادي لحماية المودعين، والمحافظة على القطاع المصرفي، وضمان نمو الاقتصاد. «أبو فؤاد» لم يمل من تسويق مسحوقه لثلاثة عقود من سبعينات حتى تسعينات القرن المنصرم، كما لن تكلّ المصارف من تسويق نظريتها على امتداد 3 حكومات، 2 منها أصبحت «في خبر كان»، والثالثة المزمع تشكيلها ينتظرها المصير نفسه.





الرفض المطلق لاقتراح المصارف أتى من الخارج قبل الداخل. فالاتفاق المبدئي الذي وقعه لبنان مع صندوق النقد الدولي لم يكن ليبصر النور لولا تعهد الحكومة بتطبيق مبدأ «تراتبية الحقوق والمطالب لاستيعاب الخسائر». وهو المبدأ الذي يعني أنه لا يمكن المساس بأموال المودعين قبل استنفاد رؤوس أموال أصحاب المصارف. وعليه أقرت الحكومة في «استراتيجيّة النهوض بالقطاع المالي - FSRS، بداية، إلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف. وذلك لتخفيض العجز في رأسمال مصرف لبنان، وإغلاق صافي مركز النقد الاجنبي المفتوح للمصرف. أي باختصار، شطب ما يزيد عن 60 مليار دولار من الديون من أصل فجوة تقدر بـ 72 مليار دولار. كما تعهدت باعادة رسملة داخلية كاملة للمصارف. مما يعني ضمناً تحويل قسم كبير من الودائع إلى أسهم وتحويل ودائع بالعملات الأجنبية قسراً إلى الليرة اللبنانية بأسعار صرف تختلف عن سعر الصرف في سوق القطع».


الصندوق السيادي

بين اقتراح إنشاء صندوق سيادي توضع فيه أصول الدولة للتعويض على المصارف والمودعين، وبين شطب الديون والبدء «على نظيف»، حلان أحلاهمها مر في حال أسيء استعمالهما. حيث سيكون المواطنون أكبر الخاسرين.

الحل الأول المتمثل بوضع أصول الدولة في صندوق سيادي للتعويض على المودعين، «يثير المخاوف من خسارة هذه الأصول الواحد تلو الآخر بالتسييل من دون تحقيق أي نتيجة تُذكر»، بحسب الرئيس التنفيذي لشركة «Advisory and Business Company» علاء غانم. هذا فضلاً عن أن أصول الدولة هي حق لكل المواطنين وليست للمودعين حصراً. كما أن تضخيمها في عملية التقييم يثير الريبة والشكوك. وبحسب غانم فان «هذا الاقتراح يتضمن طريقتين: الاولى بيع جزء من أصول الدولة لتعويض الخسائر. والثاني هو تعويض المودعين بتمليكهم أسهماً في الصندوق الذي يجمع هذه الأصول كل بحسب قيمة وديعته. على أن يجرى استرداد الحقوق بعد عدد من السنوات نتيجة تحسن قيمة السهم بعدما ترتفع قيمة الاصول. وهذه الطريقة مرفوضة اقتصادياً واجتماعياً من قبل أصحاب العلاقة أولاً أي المودعين كونها تعيد تجربة شركة سوليدير وتعرّض العوائد للتبخر بعدما تبخرت الودائع. هذا من الناحية التقنية، أمّا من ناحية العلم والاخلاق فلا يجوز أيضا إجبار المودعين على نيل حقوقهم كأسهم وسندات وليس أموالاً نقدية مثلما وضعوها. وما يغيب عن بال الكثيرين عند إعداد الخطط وكيفية توزيع الخسائر بحسب غانم هو عدم الاخذ بالاعتبار فئة المودعين من عمر 65 سنة وما فوق الذين يعتمدون على هذه الودائع في معيشتهم ولا يملكون القدرة على الانتظار عشرات السنوات لاسترداد حقوقهم.

شطب الديون

من الواضح أن «الغاية من الاقتراح الثاني المتعلق بشطب الديون هي تحميل المودعين الجزء الاكبر من خسائر النظام المالي»، بحسب البيان الموجه إلى المجلس النيابي الجديد من قبل وزارء وأكادميين سابقين هم (وزير الاقتصاد السابق سمير مقدسي، وزير المالية السابق جورج قرم، وزير الخارجية السابق ناصيف حتي، الوزير السابق لشؤون مكافحة الفساد نقولا تويني، النائب السابق لحاكم مصرف لبنان غسان عياش، أستاذة إدارة الاعمال لينا التنير، المستشار القانوني عادل معكرون، الاقتصاديان رياض سعادة وروجيه ملكي). وبرأيهم أن مسؤولية الانهيار تتحمله بالدرجة الاولة السياسات المالية للحكومات المتعاقبة، التي فاقمت عجوزات الموازنة على مر السنين، ومصرف لبنان الذي ساهم بتمويل العجوزات، ومن ثم المصارف التجارية التي وظفت لدى المركزي نسبة كبيرة من موجوداتها طمعاً بالارباح الاستثنائية». وبحسب الخبراء فان «الاجراء المنوي اتخاذه لا ينتهك حقوق الملكة الخاصة التي كفلها الدستور فحسب إنما يفلس المصارف قبل اعادة الهيكلة، ويضرب قاعدة التساوي بين المودعين، ويبعد المستثمرين والمدخرين عن وضع أموالهم في لبنان ويؤثر على النمو الاقتصادي».

ما الحل إذاً؟

الخبراء الرافضون لشطب الديون رأوا أن «الطريق الأسلم لصيانة الحقوق تتمثل في اعتراف المركزي بديونه بالعملات الاجنبية والإلتزام بتسديدها بنفس العملة في آجال محددة ضمن جدول زمني». وهذا يتطلب:

- وضع المصارف جدولاً زمنياً موازياً لتسديد ودائع زبائنها بالعملات الاجنبية. مما يحافظ على مصداقية نظامنا وثقة المدخرين اللبنانيين وغير اللبنانيين بمؤسسات البلد.

- فرض ضريبة تصاعدية استثنائية على الفوائد المقبوضة خلال فترة 2017 – 2019 عندما أدت سياسات مصرف لبنان إلى رفع الفوائد على الودائع إلى مستويات تفوق كثيراً مستويات الفوائد في الأسواق العالمية.

- خلق صندوق للتضامن تديره مجموعة مستقلة وذات خبرة تتولى إدارة بعض موجودات الدولة (لا بيعها). وتساهم عائداته جزئياً في تسديد ديون مصرف لبنان للمصارف، بما يمكّن المصارف من برمجة تسديد ودائع زبائنها.

البيع وإعادة التأجير

توازياً مع الحلول البديلة التي يقترحها الخبراء يرى علاء غانم أنه ليس من الضروري أن يكون مسار الخروج من الازمة محكوماً بخيارين لا ثالث لهما. فهناك حلول وسطية، نوصي باعتمادها للدول، ومنها على سبيل الذكر لا الحصر:

- عملية «sale and lease back» أي «البيع وإعادة التأجير». أو عملية sale option to buy them after a period of time،وتعني البيع على أساس إعادة الشراء في ما بعد. فالدولة اللبنانية التي تنتظر استكشاف ثروتها النفطية بعد عدد من السنوات بامكانها وضع قسم من الاصول في صندوق استثماري وبيع نسبة معينة منها لتأمين السيولة اللازمة كأن تبيع مثلا 30 في المئة من أصول بقيمة 10 مليارات دولار وتحصل على 3 مليارات دولار. على أن تكون عملية البيع هذه مشروطة بامكانية الدولة استرداد ما باعته بعد فترة معينة. كأن نربط فترة الاسترداد مثلا باستخراج النفط، سواء كان بنفس قيمة البيع أو بحسب القيمة الجديدة للأصول. هذا الخيار تعتمده كبريات الشركات في العالم. ولعل المثال الواضح هو ما فعلته شركة «جبل عمر» العقارية التي تمتلك الاراضي المجاورة للحرم المكي الشريف في المملكة العربية السعودية. فنتيجة لفقدانها السيولة أنشأت صندوقاً جمعت فيه أصولها وباعت جزءاً منها للمصارف بعقد لمدة 3 سنوات يشترط اعادة شراء ما باعته بنفس السعر.

«تأمين وزيادة السيولة في القطاع المصرفي أمر ممكن ومخطط له وهو غير كبير في جميع الحالات»، بحسب غانم. وقد أعدت شركة «Advisory and Business Company في هذا الاطار ورقة غير تقليدية لضخ السيولة في القطاع المصرفي وتم عرضها على المعنيين في الدولة والقطاع. وما تقترحه شركة الاستشارات تقاطع مع وعد الخبراء ببحث موضوع تأمين السيولة بالعملات الاجنبية في مذكرة مستقلة لاحقة. ما يوحي بان هناك إمكانية جدية للخروج من الأزمة بأقل خسائر ممكنة. لكن بالنظر إلى كل التطورات فان أحداً لن يقول «فول غير ما يصبح بالمكيول». فمن يضمن التوصل إلى اتفاق لاستخراج النفط مثلاً لتعويض الخسائر؟ ومن يضمن في المقابل استدامة الدين في حال شطب القسم الاكبر منه؟ أسئلة كثيرة جوابها الشافي الوحيد هو الاصلاح. فان تم إخراجنا من الازمة، أو لم يتم ستبقى الأزمة آخذة شكل (I) باللغة الانكليزية، أي هبوط من دون قعر أو إمكانية للنهوض، حتى بعد حين.