ريتا ابراهيم فريد

بعد السجائر الإلكترونية... الشيشة الإلكترونية تتصدّر الواجهة... فهل هي بديل آمن؟

2 حزيران 2022

02 : 00

شيشة إلكترونية صغيرة قابلة لإعادة الشحن

بالرغم من انتشار عدد كبير من الدراسات التي أكّدت مخاطر التدخين الإلكتروني، وخصوصاً السجائر الإلكترونية التي يلجأ إليها البعض إما كبديل مساعد للإقلاع عن التدخين، أو كمحاولة لتجنّب أضراره قدر الإمكان، أو ربّما لأنّها "موضة" أو "Trendy"، لكن يبدو أنّ التسويق لهذه البدائل الإلكترونية لم يتراجع، حيث إنّ شعبيّتها ازدادت خصوصاً بين الأوساط الشبابية.

وها هي بدورها "الشيشة الإلكترونية" أو الـ"E-hookah" أو الـ"Vape" تقتحم الواجهة اليوم، وتنتشر في الأسواق بعشرات الأشكال والألوان والنكهات المختلفة بين طعم الفاكهة والحلويات والمشروبات.

كما أنّها تتواجد بأنواع مختلفة، إذ يمكن الاختيار بين أجهزة الـ"vapes" القابلة لإعادة الشحن وإعادة التعبئة، والتي تتواجد بأحجام مختلفة، منها ما يشبه النرجيلة التقليدية، ومنها ما هو صغير ويشبه القلم، ويتمّ تبخيرها من خلال أنابيب المياه التقليدية كبدائل للشيشة القابلة للإحتراق. كما يمكن الإختيار أيضاً بين أجهزة صغيرة أخرى قائمة على الكبسولات المعبّأة مسبقاً، بحيث تحتوي على عدد محدّد من "المجّات"، يتراوح عادةً بين 800 وصولاً للـ4000 نفث. وعندما ينفد السائل الإلكتروني منها، سيحتاج المستخدم إلى استبدال الجهاز بالكامل.

النكهات والرائحة المنعشة أساس المتعة



الدكتور كارلوس نجيم





من الواضح أنّ "الشيشة" الإلكترونية تستقطب الفئة الشبابية بشكل خاص، فهي تنتشر في الأسواق بأحجام صغيرة مقارنة مع الشيشة التقليدية، إضافة إلى كونها سهلة الحمل.

وفي هذا الإطار، تشير ريم (31 عاماً) إلى أنّها سمعت عنها من خلال أصدقائها. وإذ تردّدت في البداية بشرائها، حيث قيل لها إنّها تتسبّب بسرطان في الحلق، لكنّها شعرت لاحقاً برغبة في تجربتها. وتقول في حديث لـ"نداء الوطن": "أوقات بيطلع عبالي مجّة أركيلة. وتوفيراً للوقت الذي يستغرقه تحضير النرجيلة التقليدية بين تعبئة التنباك وإشعال الفحم، خاصّة أنّ لديّ أطفالاً صغاراً في المنزل، وكي لا يشكّل تواجدها خطراً عليهم، فالنرجيلة الإلكترونية تفي بالغرض. كما أنّي أحملها في حقيبتي أينما ذهبت، خصوصاً في الأماكن أو المقاهي التي لا تقدّم الأراكيل". هذا وتشدّد على أنّها ليست من مدمني النرجيلة بشكل عام "يعني أوقات بستعملها كتير، وأوقات بنساها، وأوقات برجع بفيق عليها".

من جهته، لجأ جوني (35 عاماً) الى الشيشة الإلكترونية منذ فترة قصيرة لا تتعدّى الشهر، بهدف تجربة أسلوب جديد في التدخين، "موضة دارجة وبدنا نجرّبها"، كما يقول. وكونه مدمناً على تدخين السجائر التقليدية والنرجيلة العادية، ظنّ أنّها قد تساعده على الإقلاع عنها. لكن ما حصل كان العكس: "ما زلتُ أدخّن سجائري كالمعتاد، وأدخّن النرجيلة العادية بالوتيرة نفسها، إضافة الى النرجيلة الإلكترونية".

أما علاء (25 عاماً)، فقد ساعدته الشيشة على تخفيف كمية السجائر التي يدخّنها، كما كانت بالفعل بديلاً عن النرجيلة التقليدية. ويقول: "جذبتني في البداية رائحتها المنعشة، بخلاف رائحة الدخان العادي. وأظنّ أنّ هذه الرائحة هي أكثر ما يجعل تدخين الـ"E-hookah" ممتعاً. كما أنّ سعرها مقبول مقارنة مع أسعار السجائر الإلكترونية (الـIqos مثلاً)".

الشباب يميلون الى تجربة كل جديد

بعد إجراء بحث صغير وسريع، تبيّن أنّ دراسات كثيرة أجريت حول السيجارة الإلكترونية، والتي بدأت تظهر في الأسواق منذ العام 2003. بخلاف الدراسات حول النرجيلة الإلكترونية، لأنّ الأخيرة تُعتبر حديثة نسبياً بالنسبة إلى بقية وسائل التدخين. فعدد الدراسات التي أجريت حولها لا يزال خجولاً بشكل عام، كونها بدأت بالدخول الى الأسواق في العام 2014، حيث تمّ التسويق لها على أنّها بديل صحّي ذات خطورة أقلّ من النرجيلة التقليدية. وهذا ما شكّل دفعاً للجيل الشاب كي يتّجه اليها، وازداد الإقبال عليها بشكل خاص في العام 2019.

ورغم التشابه بالضرر الذي تتسبّب به كلتا النرجيلتين على جسم الانسان، لكن يبدو أنّ الدراسات التي تنطبق على الأولى لا تنطبق بشكل كامل على الثانية، بحسب ما يشير الإختصاصي في الأمراض الصدرية والعناية الفائقة والحساسية والربو الدكتور كارلوس نجيم. ويضيف في حديث لنا أنّ الشباب يلاحقون التكنولوجيا ويميلون الى تجربة كل ما هو جديد، ظنّاً منهم أنه غير مضرّ. ويوضح: "يقع اللوم هُنا على قلّة المعرفة. إضافة الى أنّ التسويق لهذه المنتجات غالباً يكون إما ناقصاً، أو أنّه يركّز على شقّ معيّن في نشر المعلومات".

ولفت الى أنّ بعض هذه الأجهزة الإلكترونية يتضمّن خزّاناً صغيراً للمياه، يكون بالعادة متّصلاً عبر أنبوب بسائل متعدّد النكهات. هذا السائل يحتوي على مادّة النيكوتين بنسبة صغيرة جداً، حتى أنه قد يكون خالياً تماماً منها في بعض الأحيان. والعملية تتمّ بتنشّق جزيئات معيّنة من خلال تسخين السائل المتواجد في الخزان الصغير، بدلاً من حرقه أو حرق التنباك كما يحصل في الشيشة العادية.

وتكمن المغالطات هُنا في أنّ البعض يكتفي بالتأكيد على أنّ الجهاز خالٍ من النيكوتين، كي يسلّم بأنّه بديل صحّي. ويشرح الدكتور نجيم ذلك قائلاً: "لا شكّ في أنّ النيكوتين مضرّ بحيث إنّه يتسبّب بالإدمان. لكنّ ضرره يبقى محدوداً مقارنة بالسوائل أو الموادّ السامّة التي تنتج عن تسخين التبغ"، ويضيف مشدّداً: "خلافاً لما يشاع، المياه المتواجدة في الخزان الصغير غير قادرة على تصفية المواد المضرّة بشكل كافٍ. بالتالي فالمواد التي تخرج بعد تسخين السائل، قد تكون سامة أو حتى مسرطنة، وقد تشكّل خطورة على الرئتين والفم والحلق والشرايين".

ضرر مباشر على القلب والشرايين والكبد

وأشار الدكتور نجيم الى دراسة لفريق تمريضي من لوس أنجلوس، تبيّن من خلالها أنّ الشيشة الإلكترونية تنتشر بشكل أكبر بين الجيل الجديد، وخصوصاً لدى العنصر النسائي. كما أنّ الفريق نفسه أجرى دراسة أخرى حول النرجيلة الالكترونية في إطار مقارنة مع النرجيلة العادية لقياس مدى تأثيرها على الشرايين. فتبيّن أنّ الـ"E-hookah" قد تتسبب بنسبة أعلى بالإصابة بأمراض القلب والشرايين. كما لوحظ أنّ أضرارها وخطورتها مشابهة لأضرار النرجيلة العادية وأحياناً أكثر.

كما تحدّث عن دراسة أخرى أجراها فريق عراقي على فئران عرّضوها للدخان المنبعث من النرجيلة الالكترونية لساعة واحدة يومياً لمدّة شهر. وتبيّن أنّ هذا الدخان ترك تأثيراً مباشراً على خلايا الكبد لدى الفئران.

من جهة أخرى، نوّه الدكتور كارلوس بأنّ مشاركة تدخين هذه الأجهزة مع الآخرين قد تتسبّب بنقل جراثيم أو التهابات أو أمراض في الجهاز التنفّسي من شخص الى آخر. وهذا الأمر لا علاقة مباشرة له بالشيشة الالكترونية تحديداً، لكن بمبدأ الشيشة ومشاركتها مع الآخرين بشكل عام.

ضرورة حماية النساء الحوامل

بالنسبة الى التدخين السلبي، وفرضية أن تشكّل الـ"E-hookah" خطراً على الأشخاص المتواجدين في الغرفة نفسها مع الذي يدخّنها، والمعرّضين بالتالي الى تنشق رائحتها، يشير الدكتور نجيم الى أنّه من المبكّر تأكيد ذلك، فحتى اليوم لم تصدر بعد دراسات واضحة حول هذا الموضوع. وتابع: "لكن بانتظار ظهور دراسات علمية جديدة، نشدّد باستمرار على أنّ هناك خوفاً دائماً على النساء الحوامل، وضرورة ابتعادهنّ عن التواجد الى جانب المدخّنين أو الجلوس في غرف مغلقة معهم".

إذاً بشكل عام، هل يُنصح بالـ"E-hookah" كبديل صحّي عن النرجيلة العادية؟ هُنا أيضاً يشير الدكتور كارلوس الى أنّه من المبكّر تأكيد ذلك أو نفيه، "لكنّ مبدئياً الضرر موجود، بالتالي لا يمكن التسويق لها على أنّها بديل صحي".

وبالنسبة إلى موضوع الإدمان عليها، كما سبق وذكرنا أعلاه، هناك أنواع من هذه الشيشة لا يحتوي على النيكوتين، فلا خوف إذاً من الإدمان. لكن في المقابل يحذّر الدكتور نجيم قائلاً: "تبيّن من خلال إحدى الدراسات أنّ بعض الذين يستهلكون الشيشة الإلكترونية، وخصوصاً من فئة الجيل الشاب، معرّض أكثر من غيره للميل نحو الكحول والحشيشة. وبالتالي فالإدمان لديهم قد يذهب باتجاه آخر. من هُنا تأتي ضرورة التثقيف وتوعية المجتمع حول أضرارها وخطرها على صحّة الإنسان، ومواكبة أحدث المعطيات التي تظهر مع الفرق الطبية التي تجري الدراسات حولها".


MISS 3