طوني فرنسيس

بيضتان لا بيضة!

2 حزيران 2022

02 : 00

تغيّرت صورة مجلس النواب وتبدلت حسابات ادارته ونسج توازناته وصنع قراراته.

تحوّل المجلس بعد ايار 2008، وقبله إثر مسلسل الإغتيال النيابي، الى مجموعات متكلّسة يتحكم بها صاحب الميليشيا والسلاح. صار سلق الجلسات الانتخابية والتشريعية طريقة حياة، ولازمة «صُدّق» عنواناً لمرحلة. كانت سطوة الأخ الأكبر التي تكرست في جمع الإخوة من دون حصر إرث تحت عباءته وبشعاراته، قد اصبحت قانوناً منذ نسف اتفاق الطائف في الدوحة. بات الثلث المعطل اجتهاداً سياسياً يترجم قوة الأمر الواقع من خارج تصويت الناس أو رغباتهم وقراراتهم، ومنه انبثقت الحكومات، وإليه استندت في اتخاذ قراراتها أو في حجبها.

تكلست القوى السياسية في مواقعها. الأخ الأكبر حاصرها في زاوية المذهب والعمالة والسفارة، فصار همها البقاء على قيد السياسة اليومية، وتحولت السياسة بذلك الى فعل تحاصص وترتيب أوضاع… ومبروك للوزير علي حمية آخر ابداعات هذا التحاصص.

الانتخابات الأخيرة، وربما بفعل غياب «الحاصل السنّي» التقليدي، باعتباره تحصيلاً حاصلاً ضرورياً لإعلاء شأن «الحاصل الشيعي» وترسيم حدود خنادق المواجهة… وبفعل انكشاف حكم ورثة الدوحة والتسويات الرئاسية ونتائجه المدمرة، أسهمت في خلخلة نظام ساد منذ 2008، وجعلت من الاستعانة بالقمصان السود مهزلة يصعب تكرارها. دخل دمٌ جديد الى المجلس لا يمكن تصنيفه ضمن الانقسامات السابقة. دمٌ لا علاقة له بسطوة نبيه بري الممتدة منذ معركة العلمين أو الانتفاضات الشموس، ولا بغضب الحاج علي عمّار على الياس عطالله أو بغيظ محمد رعد من القادمين الجدد الذين فكّر بتأديبهم.

هؤلاء فرضوا على المجلس وَسادتِه القدامى ان يستمعوا الى خياراتهم التي هي خيارات الغالبية العظمى من اللبنانيين، وكان جميلاً ان يتكرر على المسامع تعبير العدالة لضحايا المرفأ أو اسم لقمان سليم ليقول رئيس الجلسة معقباً: ملغاة. كان الأداء مكشوفاً ومريعاً في آن، فهناك من قرر الغاء العدالة سابقاً وها هو يعترف علناً. كان أمراً صعباً ان يفرض الدم الجديد هذا القدر من الشفافية في مجلس اعتاد العمل في الظلمة، ما اثار غضب المستفيدين، فثارت دستوريتهم وانضباطيتهم ونقدهم المباشر لبري السابع وادارته وسماحه بإسماع الناس ما يقوله ممثلوهم الجدد.

ثم كانت نتائج التصويت على حد السكين. لم يألف احد نتائج من هذا القبيل قبل اليوم. اذ لم يعد المجلس مقسوماً الى كتلتين وفريق يتولى قيادتهما، وانتهت مرحلة بيضة القبان الواحدة التي كان يمثلها وليد جنبلاط ويخشى كسرها في لعبة الأمم. صار المجلس ثلاثة أثلاث، وببيضتي قبان هذه المرة يمكنهما رسم المسار المقبل من دون وجل، بين خطي استعادة الدولة أو تغليب الدويلة. البيضة التاريخية جنبلاط، والبيضة التي لم يتوقعوها وصارت ميزاناً هي كتلة نواب تشرين، والاستحقاقات المقبلة كفيلة ببلورة حركتهما.


MISS 3