رفيق خوري

صدام الخيارات

4 حزيران 2022

02 : 05

السقطة الأولى كانت مدوية في الإنتخاب المجلسي بعد المد السيادي والتغييري المرتفع في الإنتخابات النيابية. والسؤال هو ماذا بعدما تغلبت أقلية ممسوكة ومتماسكة على أكثرية غير متماسكة ولا ممسوكة؟ تكريس الصورة السريعة للأكثرية بوصفها وهمية أو متحركة أم نهوض على طريقة المثل الفرنسي القائل: "خطوة الى الوراء من أجل قفزة أفضل؟" تسليم بأنه لا جدوى من الأكثرية العددية ولا من التعددية الديمقراطية ما دام "حزب الله" يمسك بطائفة مهمة وسلاح قوي خارج الشرعية أم إصرار على الهدف الإستراتيجي للتغيير في معركة مستمرة لا تنتهي بما حدث في البرلمان؟

التحديات سريعة في الإمتحانات المقبلة بعد الفشل في الإمتحان النيابي الأول. تحدي الحكومة الجديدة. تحدي الرئاسة الجديدة. وتحدي الحؤول دون الوصول الى الفراغ الحكومي والشغور الرئاسي، مهما تكن قوة الظروف والقوى الدافعة نحو التعطيل. فالمطلوب حكومة إستثنائية أو حكومة طوارئ مؤلفة من قوى متفقة سلفاً على برنامج حقيقي للتعافي المالي والإقتصادي والسياسي والوطني. لا هي حكومة أكثرية فاقدة الميثاقية ومن دون برنامج متفق عليه. ولا هي من الحكومات المسماة حكومات وحدة وطنية تنقل المتاريس السياسية الى طاولة مجلس الوزراء.

والمطلوب رئيس جمهورية يتم انتخابه ضمن العودة الى التنافس الديمقراطي بين مرشحين كما كانت الحال في الجمهورية الأولى برغم النواقص والثغرات فيها. لا هو مرشح وحيد يتم التفاهم عليه وتقاسمه قبل التصويت له. ولا هو استمرار لسابقة جرى اختراعها مؤخراً، لجهة أن تكون السلطة للقوي في طائفته سواء في رئاسة الجمهورية أو رئاسة البرلمان أو رئاسة الحكومة. سابقة حفلت بخيارات خاطئة وصفقات فئوية وقادت لبنان واللبنانيين الى كوارث مالية وإقتصادية وسياسية ومزيد من العصبيات الطائفية والمذهبية وصولاً الى "جهنم".

ولا مجال للمفاجآت أو للخطأ في قراءة ما في كتاب "الثنائي الشيعي" والحليف العوني الثابت. فالتجارب وراءنا وحولنا في الحكومات والرئاسات. والخيار الذي يصر عليه هؤلاء هو: إما حكومة في قبضتهم وإما لا حكومة. إما رئيس جمهورية لهم وإما لا رئاسة ولا جمهورية. والرهان الدائم كان على أن تتخوف الأكثرية من الفراغ وتمارس دور "أم الصبي" فتقدم التنازلات.

لكن ثمن الفراغ هذه المرة، بعد الإقتراب من الإنهيار الكامل، هو رأس لبنان. ولا مهرب من صدام الخيارات. ولا أحد يملك خطة لما بعد الفراغ. لا حكومة تصريف الأعمال يمكن أن تمارس دستورياً مهام الرئاسة، إن لم ينتخب المجلس النيابي رئيساً. ولا الرئيس ميشال عون يمكن أن يستمر في ممارسة السلطة دستورياً بعد31 تشرين الأول المقبل. لا الإنقلاب العسكري وارد في لبنان. ولا الإنقلاب الميليشيوي ، وإن بدا ممكناً، يستطيع إدارة بلد منهار على رأس الطوائف، ومعرّض للمقاطعة العربية والدولية الشاملة.

يقول الفيلسوف سبينوزا: "الحقيقة تكمن في التفاصيل". لكن لبنان يمارس ويميل الى المثل الشائع المعاكس: الشيطان يكمن في التفاصيل.


MISS 3