رفيق خوري

معركة لبنان الصعبة مع البونزية والزومبية

11 حزيران 2022

02 : 00

زمن الشرق الأوسط والعالم قبل حرب أوكرانيا وبعدها ليس جامداً ومحصناً ضد الأحداث والتطورات الدراماتيكية. والوقت بالطبع ليس مفتوحاً من دون حدود أمام لبنان لكي يضمن النجاة من مصير محتوم للفاشلين. لا في ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وإن كنا لا نعترف بها، لكي نستثمر ثروتنا النفطية والغازية في المتوسط ونمنعها من السطو عليها. فقد قضينا سنوات للتوصل الى "إتفاق إطار"بوساطة أميركية، ثم ضيّعنا أكثر من عامين في الدوران حول شيء آخر بالهوبرة والمزايدات والمساومات والخوف من الإتفاق. ولا في إجراء الإصلاحات المطلوبة منا ولنا لتوقيع إتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي يفتح أمامنا باب المساعدات والإستثمارات العربية والدولية لنبدأ مسار الخروج من"جهنم". فمنذ مؤتمر "سيدر" ونحن نقدم الوعود ثم نماطل، لأن كلفة الإصلاحات على المافيا السياسية والمالية والميليشيوية المتسلطة هي منع السطو على المال العام والخاص.

والوقت ليس مفتوحاً أيضاً للحسابات الصغيرة والفئوية في تأليف حكومة وانتخاب رئيس للجمهورية والإحتكام الى الدستور، بعدما عجزت التركيبة الحاكمة والمتحكمة عن الهرب من الإحتكام الى الشعب في الإنتخابات النيابية، وتعمل حالياً للتمرد على نتائجها، والرهان على التعطيل والإعداد للفراغ الحكومي والشغور الرئاسي، بدل الإستعداد لحكومة تلائم المرحلة ورئاسة مناسبة للبنان، لا لطرف واحد يضمن تسريع الإنهيار، لا وقفه. ليس فقط إنهيار الدولة بل أيضاً "إنهيار الدولة والمجتمع" كما قالت مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى بربارة ليف أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ. وهي أعلنت أن إدارة الرئيس جو بايدن تحاول "عبر إجراءات عدة وضع حد لهذا، لأن انعكاسه سلبي على لبنان والمنطقة وبشكل أكبر على إسرائيل والأردن ودول أخرى". وكشفت أن الملك عبد الله الثاني هو أكثر القلقين والمحذرين من إنهيار لبنان.

لكن المافيا تتصرف كأن الزمن خادم عندها، ولا شيء يهزها. فهي تجمع مواصفات "بونزي وزومبي"معاً. بونزي يمارس أكثر مما اختصره رئيس بعثة صندوق النقد الدولي الى لبنان أرنستو راميرز ريغو بثلاثية: "إفلاس، إحتيال، وإنكار". وزومبي يموت ويسير على الطريق. يخسر ويبقى في موقعه رابحاً. شبح ويستمر في النهب والنصب، ويعتبر أن اللبنانيين هم الموتى. موتى لا يحتاجون الى كهرباء وماء ودواء وغذاء وعمل واستشفاء وتعليم أولادهم، واستعادة ودائعهم من المصارف التي أفلست وأثرى القابضون عليها. والكل يعرف أن اللعب بالقوة خارج الشرعية والعصبيات الطائفية والمذهبية ساهم في فوز كثير من البونزيين والزومبيين في الإنتخابات.

يقول مثل إسباني: "الحياة مطهر طويل تتخلله إقامة قصيرة في الجنة والجحيم". لكن مشكلتنا ان الإقامة في جهنم طالت كثيراً، والحنين الى ما رآه الشاعر أحمد شوقي "جنات النعيم" صار مثل "حلم إبليس بالجنة".