رفيق خوري

مسافة الحرب والترسيم

15 حزيران 2022

02 : 05

سلطة الإفقار المالي والإقتصادي هي أساساً سلطة البؤس السياسي. ومن أمارات البؤس تصوير القيام بالواجب العادي والطبيعي لأي سلطة بأنه "إنجاز". وأحدث "الإنجازات" بعد الإضطرار إلى إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها الدستوري هو التفاهم على موقف رسمي واحد في التفاوض على ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل عبر الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين. وهذه، في أي حال، خطوة مهمة سبقت عودة هوكشتاين إلى بيروت بطلب لبناني ورغبة أميركية وإسرائيلية. لكن الأهم هو الخطوة التالية وإلى أين تقود: إلى اتفاق صار الجميع في حاجة ملحّة إليه لاستثمار الثروة الغازية والنفطية شرق المتوسط أم إلى وقف التفاوض كما جرى في مفاوضات الناقورة بعد رفع السقوف؟ واللافت طبعاً أن السيد حسن نصرالله الذي كرّر الكلام على وقوفه وراء الدولة، أوحى هذه المرة ضمناً ما مختصره: "الأمر لي".

وليس استباق المفاوضات بقرع طبول الحرب، ولو بدا الأمر نوعاً من التهويل، مجرد تحريك أوراق في لعبة القوة. لا أي حرب بل واحدة أشد من حرب أوكرانيا. السيد نصرالله يهدد العدو الإسرائيلي لا فقط بأن "خسارته ستكون أكبر بكثير مما يمكن أن يخسره لبنان" بل أيضاً بأن الثمن "استراتيجي وحتى وجودي". كأنه يلمّح إلى حرب من عدة جبهات. ورئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال أفيف كوخافي يهدّد بتدمير آلاف المواقع في لبنان ويتحدث عن مواجهة "ست جبهات"، ويطلب من اللبنانيين مغادرة بيوتهم سلفاً، لأن "الدمار سيفوق التصور". لكن الطرفين يهددان بحرب يقولان سلفاً إنهما لا يريدانها.

ذلك أن الحرب الشاملة ليست في حسابات إسرائيل وإيران في هذه المرحلة، حيث الإكتفاء بما يدور بينهما من "حرب ظلال" أو حرب أمن واستخبارات واغتيالات. ولا هي في حسابات الكبار المشغولين بحرب أوكرانيا. وأقل ما يعرفه "حزب الله" هو مخاطر شن حرب حين تكون الجبهة الداخلية وراء المقاتلين ضعيفة مأزومة وطنياً وسياسياً، ومضروبة بأزمات مالية واقتصادية خانقة. فضلاً عن استحالة أو أقله صعوبة الحصول على مساعدات عربية ودولية لإعادة الإعمار، على عكس ما جرى بعد حرب العام 2006.

ومع ذلك، فإن الحرب على مسافة صاروخ من السفينة "إينرجين باور". وترسيم الحدود على مسافة 860 كيلومتراً مربعاً في البحر. ومن السهل تعطيل السفينة ومنعها من استخراج الغاز لإسرائيل إن لم يحصل لبنان على حقه. لكن معنى ذلك هو نهاية الترسيم واستثمار الثروة الوطنية. وهو على المدى القريب نهاية الأمل بحد أدنى من موسم سياحي واعد في الصيف.

"در شبيغل" تنتقد المستشار الألماني أولاف شولتز بأنه "لا يتخذ قراراً إلا عندما لا يعود أمامه خيار آخر". لكن شولتز يقرر في النهاية. أما أهل السلطة في لبنان، فإنهم لا يقررون حتى حين لا يبقى أمامهم خيار آخر.