بشارة شربل

باسيل والفتيل

2 تموز 2019

10 : 30

كان يُفترض بالوزير جبران باسيل أن يُدرك بديهة بسيطة وهي أن "كثرة الدق تفكّ اللحام"، بمعنى أن الإستفزاز المستمر الذي هو نهج زيارات الحجّ الحزبي التي يقوم بها إلى سائر المناطق اللبنانية، سيؤدي حتماً إلى توتّرات.
وإذا كان وزير الخارجيّة الديناميكي والنشط لم يجد حوله من يشرح له أن تاريخ لبنان لم يبدأ في "13 تشرين" ولا في "7 آب"، ولا يوم أطلّ الى الحياة، فإن واجبه العودة إلى الكتب أو البحث في "غوغل" ليكتشف تفاصيل العلاقة الدرزية – المسيحيّة عبر تاريخ لبنان وكيف أنها بصداماتها الدموية وتوافقاتها الجريئة شكّلت نواة الكيان.
نفهم أن الوزير باسيل مرشّح طامع بالرئاسة يريد إثبات تفوّقه في الشارع المسيحي على سائر الطامحين. ونعلم أن الظروف التي يعيشها تتيح له السعي المنطقي إلى وراثة العماد ميشال عون بعد عمر طويل، لكنّ المستغرب ألّا يتوانى رئيس "التيّار" عن نكء الجراح واستثمار الغرائز بحجة أن المناطق كلّها يجب أن تكون مفتوحة لكل اللبنانيين. وهو كلام حقّ يُراد به باطل. فهو الأدرى أن هناك "تركة ثقيلة" من الدم والخراب أو العداوات، وأن جروح الحروب الأهليّة قد يتوقّف نزفها ولكن لا تكفّ عن الإلتهاب والإلتئام.
قد يقول الوزير باسيل أن لا علاقة للمسيحيين بحادث قبرشمون. لكن عليه إدراك أن أي نزاع درزي – درزي سينعكس حتماً عليهم، أقلّه لجهة تحالفهم أو تعاطفهم مع هذا الطرف أو ذاك. وببساطة كلّية نقول للوزير باسيل: أنت تعلم أن المسيحيين العائدين بعدما هجّرتهم الحرب الأهليّة وتعرّضوا لمجزرة عقب اغتيال كمال جنبلاط، هم قلّة تُقدّر بـ 15 في المئة في أحسن الاحتمالات. لذا كان عليك أن تعلم أن إثارة الضغائن مجدّداً وهزّ الثقة ستُرجعان تلك العودة إلى الوراء، إلا إذا أردت أن تجعل من "دياسبورا" الجبل داخل لبنان بطاقات تصرفها يوم الإنتخابات بوهم استعادة الحقوق والوجود والحقّ بـ "قرع الأجراس".
أن تكون زيارات باسيل المتشنّجة السبب المباشر لاندلاع الرصاص بين أبناء الموحّدين أمرٌ يؤذي المسيحيين جميعاً في الجبل. فما يطمئنهم ويُبقيهم في أرضهم هو حقّهم في العيش هناك وشعورهم بأنهم أصليون وليسوا نزلاء في جوّ من روح المصالحة التي كرّسها بطريرك "الإستقلال الثاني"، وضمان الجيش اللبناني وحده الأمن، والإستقرار داخل البيت الدرزي. فلا أمن بالتراضي ولا استقواء بأيّ سلاح. وفي هذا الإطار ألف شكر لوزير "حزب الله" محمود قماطي الذي نبّهَنا إثر اجتماعه التصعيدي في خلدة إلى أن الدولة قامت بالفعل ولم يعد هناك وجود لميليشيات!!!