دراسة أعدّتها مؤسسة تريانغل ضمن سلسلة «البديل»

كفى أوهاماً سرابية... الغاز لا ينقذ لبنان من أزماته!

02 : 00

أخطاء جسيمة في مسار الترسيم البحري

أعدت مؤسسة تريانغل المتخصصة في متابعة صنع السياسات والبحوث والاعلام دراسة عن قضية الغاز تناولت فيها النزاع الحدودي بين لبنان وإسرائيل، واستقدام الأخيرة بتاريخ 6 حزيران الحالي سفينة لاستخراج الغاز من حقل كاريش المتنازع عليه. فسارع لبنان الى طلب وساطة الولايات المتحدة، حيث عملت واشنطن على الفور على إيفاد خبير الطاقة الإسرائيلي المولد، آموس هوكشتاين. لم يكن التصعيد المستجد سوى الحلقة الأخيرة في «الملحمة» اللبنانية المضطربة التي على ما يبدو انه لا نهاية لها، وفقاً للدراسة.

وأكدت «تريانغل» الرهان على ثروات الغاز والنفط من قبل العديد من السياسيين لإخراج لبنان من بؤسه المالي. وفي الشهر المنصرم، قال أمين عام «حزب الله» في خطاب متلفز أنه يمكن للبنان أن يكون دولة غنية من خلال النفط والغاز، منتقداً الدولة لوقوفها مكتوفة الايدي بينما تبرم اسرائيل اتفاقيات لبيع الغاز الخاص بها. فلأكثر من عقد من الزمن، اشارت النخب السياسية والمالية اللبنانية الى احتياطات النفط والغاز تحت الماء على أنها الطريق الى الثروة والمجد.

وفي ما يلي أبرز ما جاء في دراسة تريانغل:

اذا كانت هذه الكنوز المخبأة موجودة فعلاً قد يستطيع لبنان استخدامها لمصلحته، فمع وجود اطار قانوني مناسب وصندوق ثروة سيادي يمكن للدولة كسر لعنة سوء إدارة الأموال العامة، وتنشيط الاقتصاد. انها لرؤية عظيمة، الا أنه يمكن جيداً أن يثبت المرء أن المسألة سراب!

فقضية ترسيم الحدود مع إسرائيل ليست القضية الوحيدة التي تحتاج حلاً، فحتى الساعة كان هناك استكشاف محدود مع أدلة محدودة على احتياطات الهيدروكربون، وقد تكون شركات الطاقة حذرة من الاستثمار في مناخ لبنان المتقلب الذي تكافح مؤسسات الدولة من اجل البقاء في ظل الأزمة الطاحنة في البلاد.

وبالنظر الى المخاطر العديدة التي ينطوي عليها الامر، السؤال هو: اذا ما تم العثور على كميات مجدية تجارياً للنفط والغاز، أليس من الأفضل أن تبقى مدفونة في قاع المحيط للجيل القادم من اللبنانيين الذي قد «يرتب منزله» بشكل أفضل من «المنزل الحالي»؟

إرتفاع الاسعار العالمية يثير موجة سباق للاستفادة

أسفر الطلب المتزايد على الغاز الطبيعي، خاصة في بريطانيا والاتحاد الأوروبي، الى ارتفاع الأسعار العالمية بشكل كبير مما جعل مكاسب النفط والغاز في لبنان مجدية تجارياً حتى لو تم العثور على احتياطيات صغيرة فقط. لكن، وعلى عكس إسرائيل التي استجابت بسرعة لظروف السوق المتغيرة، فان مؤسسات الدولة اللبنانية الراكدة لم تؤد الا الى اضعاف الموقف التفاوضي للبنان وردع الشركات عن الاستثمار.

هناك ما يجعل الشركات العالمية أقل اهتماماً بلبنان

ففي الجولة الثانية، فقط، للتراخيص في لبنان، اضطرت وزارة الكهرباء والماء لتمديد الموعد النهائي لشركات الطاقة ما لا يقل عن اربع مرات كي تقدم عطاءتها لثماني من أصل 10 كتل (أو بلوكات) بحرية. وقبل أسبوعين من الموعد النهائي عملت الوزارة على تخفيض رسوم تقديم العطاءات من 50 الف دولار أميركي الى 5000 فقط. وقال خبراء أن التمديدات والتعديلات تشير الى عدم اهتمام الشركات العالمية بالاستثمار في لبنان. واضافة الى ذلك، لعبت قضية ترسيم الحدود المستمرة وجائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت دوراً في تعطيل عملية منح اتفاقيات الاستكشاف والإنتاج.

إضاعة 4 سنوات... لتلزيم واحد لم يفلح

رغم أن جولة العطاءات الأولى قد جرت في لبنان في عام 2013، الا ان الحكومة لم توافق الا في عام 2017 على العرض الوحيد الذي قدمه كونسورتيوم دولي يضم كلا من توتال الفرنسية وايني الإيطالية ونوفاتيك الروسية. ووقعت العقود في بداية عام 2018 مع الزام المجموعة بحفر بئرين في البلوكين 4 و9 على التوالي. وحتى تاريخه، تم حفر بئر واحد فقط في البلوك رقم 4. وبينما كانت هناك احتمالات لاحتياطيات الغاز، الا أن الشركات لم ترَها كافية للتوصل الى قرار استثماري نهائي، كما أن في البلوك رقم 9 مشكلة ان جزءاً منه يقع في المياه المتنازع عليها مع إسرائيل؛ وقالت توتال منذ البداية انها لن تعمل على التنقيب بالقرب من هذه المنطقة.

تأخير اضافي... ولكن!

وفقاً لدينا قيسي، عضو المجلس الاستشاري في مبادرة النفط والغاز اللبنانية (LOGI)، وهي منظمة مستقلة تعمل على اعلام وتعزيز الشفافية في قطاع الطاقة، فان هيئة ادارة قطاع البترول (LPA) كانت مددت الموعد النهائي للتحالف الذي تقوده شركة توتال، لاستكمال اعمال التنقيب لمدة سنتين ونصف حتى 13 آب 2022، مما يضيف تأخيراً إضافياً الى ملحمة الهيدروكربون الراهنة.

6 بلوكات متنازع عليها

تأسست هيئة ادارة قطاع النفط (LPA) في عام 2012 كهيئة عامة مستقلة مكلفة بالتخطيط والاشراف وإدارة التنقيب عن البترول في لبنان. ومن بين البلوكات البحرية الثمانية المتبقية، ستة تقع في مناطق بحرية متنازع عليها مع إسرائيل أو قبرص أو سوريا. ان قضايا ترسيم الحدود اللامتناهية في لبنان، لا سيما مع إسرائيل، تشكل عامل خطر كبير يمنع الشركات الدولية من الاستثمار أو حتى تقديم العطاءات، الا أنها ليست القضية الوحيدة التي تعترض طريق لبنان، فقبل أن تشرع الشركات في الاجراء المطول والمكلف لتمتلك الحق في البلوكات، فإنها بحاجة الى تأكيد وجود حكومة فاعلة وأن مؤسسات الدولة قادرة على المساعدة في تسهيل مسار الاستكشاف والتنقيب.

تقديرات أعلى من الواقع بكثير

في الثالث من حزيران، أصدر فادي خلف، الأمين العام لجمعية مصارف لبنان، بياناً دعا فيه الى تحويل 20% من أي عائدات مستقبلة للنفط والغاز الى صندوق خاص لسداد أموال المودعين- ضحايا الازمة المصرفية- مدعياً أن شركة Spectrum التي أجرت مسوحات زلزالية ثنائية وثلاثية الابعاد للساحل اللبناني، قد وجدت أدلة على وجود 25 الى 96 تريليون قدم مكعب من موارد الغاز الطبيعي. الا أن خلف يحتاج الى أن يتقصى معلوماته جيداً، حيث أن شركة سبكتروم قد ذكرت أن قاع البحر في لبنان قد يحتوي فقط على 12 الى 25 تريليون قدم مكعب من الغاز القابل للاستخراج. وبغض النظر عن الكميات الدقيقة، فان ما تدعو اليه النخبة السياسية والمالية في لبنان هو الى «عد الفراخ قبل أن يفقس البيض» أي جني الأموال من الاحتياطيات غير المثبتة، هي لعبة خطيرة. ففي حين توجد بعض الأدلة على احتياطيات هيدروكربونية الا أنه حتى الآن لم يتم العثور على كميات مجدية تجارياً. وسوف يستمر قاع المحيط في تخبئة ثرواته الى أن تواصل شركات النفط والغاز استكشافها ربما يوماً ما في المياه اللبنانية.





لا عوائد قبل 2030 في أفضل تقدير

إن البئر في البلوك 4 لا يساعد لبنان على جذب مستثمري النفط والغاز. فقد عثر على آثار للغاز في البئر الذي حفر على عمق 4076 متراً، الا أنه لم يتم تسجيل وجود احتياطي كبير. وتشير التقديرات أنه في الدول الحدودية مثال لبنان والتي ليس لديها احتياطيات مؤكدة، لا تحقق الآبار فيها أكثر من 20% من النجاح في العثور على كميات قابلة للتداول التجاري من الهيدروكربونات. وحتى لو تم اكتشاف كميات تجارية، لن تصل الإيرادات بشكل واقعي الى خزائن الدولة قبل عام 2030 على احسن تقدير.

المسألة ليست عصا سحرية

واذا استطاع لبنان بيع هذه الموارد في العقد القادم، (اذا استطاع)، فلن تكون العائدات بمثابة عصا سحرية تعمل على تغيير فجائي للاقتصاد، وخلق آلاف فرص عمل والقضاء على الدين العام الهائل. وحسب قيسي فان اصلاح دين لبنان العام لا يبدأ بالتعويل على المزيد من العائدات من مورد محدود، موضحة أن عائدات الهيدروكربونات الشحيحة لا يمكن أن تكون ركيزة من ركائز خطة التعافي الاقتصادي للدولة، ولا يمكن الاعتماد عليها، وسوف تفشل في معالجة جذور أسباب مشاكل لبنان الاقتصادية والمالية: «ستكون مثل صب المياه في السلة»...

وينص قانون الموارد البترولية البحرية في لبنان (OPRL) على وجوب إيداع المكاسب (غير المتوقعة) من قطاع النفط والغاز في صندوق ثروة سيادي، والتي من الممكن في حال استخدمت بحكمة، ان تحفز الانتعاش الاقتصادي وتطلق نمواً طويل الاجل... ولكن مع ذلك توجد مسؤولية كبيرة مع استخراج البترول.

مؤسسات هشة تزداد ضعفاً

لإدارة ملف حيوي استراتيجي مثل الهيدروكربونات البحرية بشكل صحيح، يحتاج لبنان الى مؤسسات دولة قوية ومختصة، الا أن الازمة المالية لم تؤد الا الى تفاقم نقاط ضعف هذه المؤسسات. وتكفي الإشارة هنا الى أن الدولة اللبنانية تكافح لتأمين حتى الخدمات الأساسية، وبالكاد تستطيع المؤسسات المختلفة المسؤولة عن ملف النفط والغاز أن تواصل عملها اليومي بسبب نقص الموارد. إذ أفاد رئيس هيئة ادارة قطاع البترول وليد نصر أن الهيئة تضم حالياً أربعة أعضاء في مجلس ادارتها مقارنة بستة قبل الازمة و13 مورد خدمات عوضاً عن 25. في غضون ذلك، ثمة أسئلة تبقى بلا إجابة: «كيف يمكن للمؤسسات اللبنانية إدارة الأصول المهمة ومصادر الإيرادات والسلامة والقضايا البيئية؟ كيف يمكن للجيش اللبناني حماية المنشآت والموارد البحرية عندما يكون متوسط راتب جنوده بالكاد 50 دولاراً؟ كيف يمكن للحكومة أن تجتذب موظفين مؤهلين في حين أن الكثير من اللبنانيين من ذوي الكفاءات يغادرون لبنان بسبب الازمة؟



نزاع متعدد الأبعاد



الأخطاء بدأت منذ 2007

قد تكون نقاط الضعف معروفة وقديمة، فمفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع قبرص خير مثال على ذلك حيث وقع البلدان اتفاقية لترسيم حدودهما المشتركة في عام 2007، ثم يكتشف لبنان بعد أربع سنوات أنه ارتكب خطأ فادحاً. فكما كشف المكتب الهيدروغرافي البريطاني، سلّم الوفد اللبناني جزءاً كبيراً من حقوق لبنان في منطقة بحرية الى قبرص...

هيئة غير مستقلة لأن تعييناتها طائفية

وعلى افتراض انها مستقلة، فان هيئة البترول اللبنانية تعمل تحت اشراف وزارة الطاقة والمياه، وبالتالي فهي عالقة في مستنقع السياسة اللبنانية، فالمشاحنات المستمرة لا سيما بين «التيار الوطني الحر» وحركة «أمل» أدت الى تأخير مستمر في عملية الاستكشاف، وفرضت تهديدات خطيرة على إدارة القطاع. واتباعاً «للموضة اللبنانية»، تم تقسيم مجلس إدارة الهيئة طائفياً حيث تحاول كل جهة سياسية أن تكون لها اليد العليا، وبطبيعة الحال، يتمتع الحزب الذي يصل الى ادارة رئاسة الهيئة، بميزة وضع أجندة سياسية محلياً وإقليمياً.



الأمر ليس أولوية وحذار لعنة الموارد

وبحسب لوري هايتايان، خبيرة في سياسة النفط والغاز، فان الهيدروكربونات يجب أن تكون العنصر الأخير في النقاشات السياسية نظراً لارتفاع مخاطر سوء ادارة السياسيين للملف. «لدينا قائمة بالأولويات قبل ذلك، وفي النهاية نستطيع أن نناقش الغاز ودعم اقتصاد الدولة». وأضافت أن احتياطيات النفط والغاز التي يحتمل أن تكون ذات قيمة قد تؤدي الى تفاقم التوترات الحالية وتعريض البلاد الى خطر ما يسمى بلعنة الموارد. وتعرف هذه الظاهرة أيضاً باسم «مفارقة الوفرة»، وتشير الى فشل البلدان الغنية بالموارد في الاستفادة الكاملة من ثرواتها من الموارد الطبيعية، والى فشل حكوماتها في الاستجابة بفعالية لاحتياجات الرفاهية العامة. وهنا تختلف العوامل المسببة، من ضمنها تقلب ايرادات الموارد الأساسية لا سيما النفط، واستشراء الفساد داخل مؤسسات الدولة. ان الاعتماد أكثر على الهيدروكربونات كقطاع هو مثل الاقتصاد الريعي الذي أوصل لبنان الى حالته الراهنة، وبطبيعته فهو يدمر التنوع الاقتصادي والقدرة على الصمود.

النموذج النرويجي صعب التطبيق في لبنان

ويشير بعض الباحثين أيضاً الى علاقة متبادلة بين الموارد الطبيعية والحروب الاهلية. مع ذلك، يمكن للبنان أن يجني مكاسب ضخمة من موارده البحرية في حال تمت إدارة القطاع بشكل جيد. فالنروج مثلاً هي واحدة من الدول القليلة التي استخدمت بنجاح عائدات النفط والغاز لخلق نتيجة اجتماعية أفضل لشعبها. حيث حولت عائدات القطاع الى صندوق ثروة سيادي يدار من قبل البنك المركزي النرويجي ويعتمد الشفافية المطلقة. ففي نهاية كل عام، يكشف تقرير الصندوق السنوي قائمة بكافة الاستثمارات التي أجريت، ويقدم كشفاً بأعمال حوكمة الشركات، كما تبث تسجيلات التصويت من الاجتماعات العامة مباشرة. ويعمل الصندوق فقط على الاستثمار خارجاً كي لا يلقي عبئاً على الاقتصاد النرويجي. وعلى خلقية نجاحها، ساعدت النرويج لبنان منذ عام 2007 من خلال برنامج النفط مقابل التنمية، على انشاء اطار عمل مماثل لقطاع الغاز في الغالب من خلال بناء القدرات ومساعدته على انشاء أسس تشريعية فعّالة وشفافة لمنع تضارب المصالح وتعزيز الشفافية.

إن الخطوة التالية هي انشاء صندوق ثروة سيادي خاص بلبنان كي يتمكن من استثمار العائدات بشكل سليم وتحقيق نمو اقتصادي صلب وطويل الأمد. الا أن مشاريع القوانين الثلاثة التي تهدف الى انشاء مثل هذا الصندوق تكمن تحت أطنان الغبار في بعض الادراج البرلمانية.

الصادرات تحتاج لتحالفات وسياسات خارجية متماسكة

وكما لوحظ من خلال التصعيدات الأخيرة، فان الصراع اللبناني-الإسرائيلي يبقى تهديداً للأمن القومي ولديه القدرة على اشعال صراع مسلح بين «حزب الله» والجيش الإسرائيلي. ومع ذلك، وحتى لو اتفقت الدولتان على حدود بحرية مشتركة، فان تصدير الغاز سيخلق تحديات إضافية.

ولكي يستطيع لبنان تحقيق عائدات من الغاز البحري، سوف يتعين عليه صياغة سياسة خارجية متماسكة وإقامة تحالفات مع القوى الإقليمية، وأن ينظر اليه على أنه جهة فاعلة ذات سيادة، وهو أمر يسهل قوله أكثر من تطبيقه في حالة لبنان المنقسم على بعضه. وبينما يستمر لبنان في النضال، استغلت قبرص وإسرائيل الوقت حيث تعملان على قدم وساق في استكشاف واستخراج ثرواتهما البحرية؟

دعوها مدفونة في قاع البحر... للجيل المقبل

لا شك في أن احتمال وجود موارد النفط والغاز قبالة الساحل هو بصيص أمل لبلد بأمس الحاجة الى حل مشاكله المالية، فلا عجب أن يقدم السياسيون الامر كما لو تم العثور على «الدورادو» أخيراً... وبغض النظر عن مدى رغبة اللبنانيين في الاعتقاد بأن المكاسب النفطية غير المتوقعة ستكون المنقذ لهم، فان هناك حاجة الى الحيطة والحس السليم... قد تمثل هذه الموارد فرصة ذهبية، الا انه يجب عمل الكثير قبل أن يتمكن لبنان من اغتنام هذه الفرصة، فبدون اجماع وطني بين الفصائل السياسية العديدة في البلاد، سيظل المناخ الاقتصادي غير جاذب او جذاب للمستثمرين المحتملين. لذا لا بد من وضع اطار قانوني مناسب قادر على الصمود في وجه التغييرات الحكومية وأهواء السياسيين سواء كانوا أفراداً أم أحزاباً. ولكي تستمر الشركات بالاستثمار، فهي تحتاج الى ضمانات أن مؤسسات الدولة التي تتعامل مع الملف، مستقرة وقادرة ومستقلة. والاهم من ذلك، يحتاج لبنان الى بناء اجماع أن موارد النفط والغاز تعود الى الشعب اللبناني وان الجزء الأكبر من الإيرادات المحتملة يعود الى الدولة؛ ولضمان هذا الامر، فهو بحاجة الى تأسيس صندوق ثروة سيادي تتم ادارته من قبل هيئة مستقلة فعلاً.

أخيراً وليس آخراً، لكي يتحول لبنان الى لاعب أساسي في لعبة تصدير الطاقة العالمية، يجب أن يتصرف كدولة سياسية موحدة ويعمل على حل كافة الإشكالات البحرية الحدودية، عندها فقط يستطيع أن يستفيد من موارده البحرية المحتملة. وفي حال العكس، سوف يكون أفضل أن تبقي الدولة على كنوزها مخبأة في قاع المحيط، وندع الأجيال المستقبلية تتمتع بالرخاء عندما يحين الوقت المناسب.

غاز للكهرباء في أحسن الأحوال

على صعيد أكثر تفاؤلاً، يمكن استخدام موارد الغاز لتلبية احتياجات لبنان من الكهرباء. فحالياً تعتمد محطات توليد الكهرباء في الدولة بشكل أساسي على استخدام فيول الديزل والمازوت الباهظ الثمن والملوث للبيئة، والذي يمثل استيراده منذ عام 1992 حوالى 40% من الدين السيادي. ويمكن تحويل محطات الكهرباء الى عاملة بالغاز، الامر الذي من شأنه أن يخفف عبء عجز الموازنة الى حد كبير. علاوة على ذلك، فان توفير الكهرباء على مدار الساعة يعود بأثر إيجابي على الاقتصاد وعلى البيئة والصحة العامة،

ان استخراج النفط والغاز يفرضان مخاطر في كل مرحلة الا أنه قد يجلب العديد من المكافآت الكبيرة لقطاع الكهرباء المتهالك في لبنان، ولذلك فوائد على البيئة والصحة العامة. فاذا وفر الغاز الكهرباء على مدار الساعة، لن يضطر اللبنانيون الى الاعتماد على مولدات الديزل المسببة للأمراض السرطانية والمنتشرة في الاحياء، اذ أشارت دراسة للجامعة الاميركية في بيروت عام 2012 الى أن مولدات الديزل مسؤولة عن زيادة بنسبة 60% في انبعاثات الهواء السام عند تشغيلها لمدة ثلاث ساعات فقط في اليوم. الا أنه حاليا، تعمل هذه المولدات لساعات أطول بكثير نظراً لتغذية الكهرباء السيئة في لبنان، تصل في بعض المناطق لأكثر من 20 ساعة. ويمكن للغاز الطبيعي أيضاً أن يعمل كوقود انتقالي على طريق الطاقة المتجددة حيث يمكن لصندوق الثروة السيادي لإيرادات الموارد الطبيعية أن يوفر التمويل اللازم لتحويل إمكانات لبنان الوفيرة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الى كهرباء، تماشياً مع هدف الحكومة الرامي الى انتاج 30% من الطاقة المتجددة بحلول 2030...

سجلّ لبنان سيّئ في التعامل مع الكوارث البيئية

بالنظر الى سجل لبنان السيئ في التعامل مع الكوارث البيئية الماضية، فقد لا تفوق الفوائد المخاطر، اذ حين يتعلق الامر بالبيئة، سيحصل لبنان على فرصة واحدة فقط، والافتقار الى الحكم الرشيد قد يؤدي الى كوارث خاصة في حالة حدوث تسرب نفطي. وتحدد الخطة الوطنية للتعامل مع تسرب النفط (NOSCP) توجهاً للتعامل مع هكذا سيناريو، ومن ضمنها يتوقع أن تعمل وزارة الاشغال العامة والمديرية العامة للنقل البحري والبري كهيئة واحدة بوصفها السلطة الوطنية المختصة (NCA).

في عام 2021، وخلال التسرب النفطي في إسرائيل، اثبتت حكومة حسان دياب عجزها عن تنسيق جهود التنظيف، وألقت بالمسؤولية على برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وبعد مرور أكثر من عام، ما زالت جهود التنظيف مستمرة بينما تبقى أطنان من القطران مدفونة تحت الرمال.

وعلى الرغم من ان العقود الحالية مع كونسورتيوم توتال يتضمن بنوداً حول الاضرار البيئية الا انها غامضة للغاية، ويدعو هذا البند الكونسورتيوم الى الالتزام بـ»أفضل معايير صناعة البترول الدولية»، والقوانين اللبنانية، و»المتطلبات المعقولة لهيئة إدارة قطاع البترول». وهذا يوفر للشركات حق الاشراف على جهود التخفيف والترميم في حال وقوع حادث. فالعبرة من تسرب النفط عام 2010 من بريتيش بتروليوم في خليج المكسيك هي أن أي دولة لا يمكنها الاعتماد على حسن النوايا للتعامل مع مشاكل مماثلة، ولا يكفي دفع رسوم تسوية في اعقاب التسرب أيضاً، لان لهذا الامر تداعيات بيئية للعقود القادمة.

إضافة الى ذلك، من البديهي عند الاستجابة لتسرب النفط، ان يكون الوقت عاملاً جوهرياً لمنع المواد السامة من الانتشار، مع ذلك لا توجد حالياً آلية لرؤية أن جزءاً من عائدات مبيعات النفط والغاز المستقبلية سوف يتم الاحتفاظ بها لتسديد نفقات أعمال تنظيف محتملة.

ويجب على لبنان تعزيز قدراته للاستجابة الى الطوارئ حتى يتمكن من نشر فرق على الأرض بسرعة وكفاءة، لا سيما وأن الدولة قد اختبرت عن كثب كيف يمكن أن تكون تسريبات النفط ذات تداعيات كارثية. وأنه بدون ضمانات مناسبة، فان استخراج الهيدروكربونات هو بمثابة قنبلة زمنية موقوتة.