لين أودونيل

أمراء الحرب يستعدّون للعودة إلى أفغانستان

24 حزيران 2022

المصدر: Foreign Policy

02 : 05

يُهدد أمراء الحرب المنفيون وسماسرة السلطة والقادة العرقيون الذين هربوا من أفغانستان في السنة الماضية، قبيل انتصار حركة "طالبان"، بإطلاق حرب أهلية إلا إذا بدأ الإسلاميون التفاوض للسماح بعودتهم إلى ديارهم واسترجاع سلطتهم ونفوذهم لاستبدال حُكم الإرهابيين المسؤولين عن إدارة البلد راهناً.

بعبارة أخرى، بدأت الجماعة التي دمّرت أفغانستان في بداية التسعينات وأعاقت مسارها خلال السنوات اللاحقة تعود إلى الواجهة. لكن على عكس أول تجربة في السلطة، بعد الانسحاب السوفياتي مباشرةً في العام 1989، قد يبدو أمراء الحرب هذه المرة إكثر إقناعاً من غيرهم نظراً إلى فظاعة ممارسات نظام "طالبان" الذي استلم السلطة في شهر آب من السنة الماضية.

بدأت هذه المرحلة المفصلية الجديدة بالنسبة إلى الحرس القديم في شهر أيار، حين اجتمع أربعون شخصاً من أصحاب العقلية نفسها في العاصمة التركية، أنقرة، لمقابلة الزعيم الأوزبكي عبد الرشيد دوستم وأعوانه. على غرار عدد آخر من أمراء الحرب، استعمل دوستم الثروات المتراكمة على مر عشرين سنة من عهد الجمهورية الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة لبناء شبكته الخاصة من المحسوبيات التي تبقى جزءاً أساسياً من المشهد السياسي في أفغانستان. في تلك الفترة، دعم دوستم وأمثاله جهود إعادة الإعمار التي أطلقها الأميركيون وحلفاؤهم، وشجّعوا على تعليم النساء وأرسلوا آلاف الطلاب الأفغان للدراسة في الخارج.

لكن حضر حشد أكبر من المشاركين اجتماع أنقرة. من بين الحاضرين، برز اسم أحمد والي مسعود، عم أحمد مسعود، رئيس "جبهة المقاومة الوطنية" وإحدى الشخصيات القليلة غير المتّهمة بالفساد أو بارتكاب أعمال وحشية في عالم السياسة الأفغانية. اشتهر والده الراحل أحمد شاه مسعود، وهو جنرال في "التحالف الشمالي"، بمنع "طالبان" من فرض سيطرتها الكاملة على البلد قبل سحقها في العام 2001.

أعلن أعضاء الجماعة في بيانٍ لهم أنهم شكّلوا "المجلس الأعلى للمقاومة الوطنية" لمطالبة "طالبان" بالتفاوض على عودتهم إلى أفغانستان وضمّهم إلى الحكومة أو مواجهة عواقب وخيمة. وإذا رفضت "طالبان" تلك المفاوضات، هدّد متحدث باسم دوستم باندلاع حرب أهلية جديدة في أفغانستان.

يعرف الأفغان جيداً معنى هذا التهديد. يبلغ متوسط عمر السكان في هذا البلد 19 عاماً، وقد عايشت الأغلبية الساحقة من الشعب زمن الحرب. يُعتبر أمراء الحرب وأعوانهم جزءاً من دوامة متواصلة تحمّلتها أفغانستان لأكثر من أربعين سنة. يشعر الناس بالإرهاق ويتوقون إلى السلام، لكنّ تجاوزات "طالبان" تطلق مرحلة جديدة من الأزمات، وها قد عاد أمراء الحرب إلى الواجهة الآن أيضاً.

لا يمكن اعتبار أعضاء المقاومة الجديدة منقذين للبلد. اتُّهِم دوستم مثلاً بإصدار أوامر بخطف أحد خصومه واغتصابه وتعذيبه في العام 2016. إنها ممارسات مألوفة في تلك الظروف. في العام 2001، يقال إنه جمع مسلّحين من "طالبان" وأغلق عليهم أبواب حاويات الشحن كي يختنقوا هناك حتى الموت. وحين كان دوستم نائب الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني (بُنِي هذا التحالف انطلاقاً من قدرته على تأمين مليون صوت أوزبكي)، اعتاد المسلحون الموالون له على النزول إلى شوارع كابول لاستعراض قوتهم.

كذلك، شارك عطا محمد نور في اجتماع أنقرة. كان هذا الرجل يملك جيشه الخاص وقد حضّر ابنه كي يخلفه كما فعل دوستم. شمل مشاركون آخرون قادة من جماعة الهزارة، ومجاهدين سابقين، وأعضاء سابقين من الجمهورية الأفغانية، وعدداً صغيراً من أمراء الحرب. ويقول أحد المستشارين إن مجموعة من النساء شاركت في اللقاء أيضاً عبر تطبيق "زوم".

مرّت سنة تقريباً منذ أن انتهت الحرب بعد انسحاب القوات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة، ويأتي الصراع السياسي الذي يُسببه القادة العرقيون مع الجيوش الخاصة ليؤجج المشهد المشتعل أصلاً ويزيد المخاوف من غرق أفغانستان مجدداً في معارك محتدمة على السلطة والناس والأراضي.

لقد أصبح النسيج الأفغاني المتنوع مفككاً على نحو خطير اليوم. في أنحاء الشمال، تقاتل جماعات مسلّحة لطرد "طالبان" وتقنع أمراء الحرب وحلفاءهم بأنهم سيحصلون على الدعم الشعبي للعودة إلى معترك السياسة تزامناً مع تصاعد ضغوط الحكومات الغربية لإنهاء عزلة أفغانستان.

أصبح ملايين الناس مُهددين بالمجاعة وزاد الانهيار الاقتصادي سوءاً بسبب العقوبات المالية الأميركية، لذا يستفيد الحرس القديم من بعض العوامل القائمة اليوم، لا سيما عجز "طالبان" الواضح عن إدارة حكومة وطنية.

لكن في ظل تصاعد تهديدات الحرب الأهلية، يحذر بعض المحللين من أن يعيد التاريخ نفسه وتقع أعمال وحشية مشابهة لهجوم 11 أيلول، إذ تجتمع عشرات الجماعات الإرهابية المعادية للغرب اليوم وتحظى بحماية "طالبان".

هذا المشهد القابل للاشتعال يمنح الجماعة الجديدة - القديمة من أمراء الحرب متنفساً للتخطيط لعودتها. يقول مستشار دوستم (تكلم شرط عدم الإفصاح عن هويته) إن تلك الجماعة تريد من "طالبان" أن تنوّع تركيبة حكومتها التي تتألف في معظمها اليوم من البشتون السُّنة وتقتصر على الرجال. هو يؤكد على دعم المجلس لمبدأ اللامركزية، ونشوء منصة مركزية للمقاومة الوطنية، والتوجّه لتقسيم البلد إلى مناطق ذاتية الحُكم تسيطر عليها الجماعات العرقية.

هذا الطلب ليس مستحيلاً برأي عالِم الأنثروبولوجيا، عمر شريفي، الذي يُعلّم في الجامعة الأميركية في أفغانستان. لقد أثبت أمراء الحرب قدرتهم على التكيف مع الظروف المستجدة، فانتقلوا من الجهاد إلى الديمقراطية للحفاظ على نفوذهم وتأثيرهم وثرواتهم. يظن شريفي أن أداء "طالبان" سيئ لدرجة أن تُحسّن صورة أمراء الحرب مع مرور الوقت وتجعلهم بديلاً جاذباً عن الحركة.

وصلت "طالبان" إلى السلطة للمرة الأولى بعد الحرب الأهلية، بين العامين 1992 و1996، حين حاول أمراء الحرب إبادة بعضهم البعض بعدما هزم المجاهدون المدعومون من الولايات المتحدة الجيش السوفياتي المحتل في العام 1989. انهارت الحكومة الأفغانية بعد ثلاث سنوات على الانسحاب السوفياتي، وقُتِل عشرات آلاف المدنيين في كابول وحدها، ولا تزال أجزاء من المدينة تحمل آثار القتال حتى الآن.

قوبل أعضاء "طالبان" بالهتافات والدموع حين استلموا السلطة، مع أن الفرحة بانتهاء الحرب لم تدم طويلاً في عهدهم المبني على حُكم ديني. عُزِلت النساء مجدداً، ومُنِعت الموسيقى وأجواء الرقص والتصوير، وبُتِرت أيادي السارقين وعُرِضت في الأسواق، وعوقب مرتكبو جرائم مثل الزنى بالإعدام العلني.

سقطت حركة "طالبان" في العام 2001 بعد الغزو الأميركي، ثم بدأ عقدان من التقدم في مجالات التعليم والنمو الاقتصادي وحقوق المرأة. لكن منذ عودة "طالبان" إلى السلطة في شهر آب الماضي، انقلبت الحركة مجدداً على معظم التقدم الذي تحقق في عهد الجمهورية، فأرعبت النساء والمثليين وبعض الأقليات، وطاردت المدافعين عن حقوق الإنسان والأعضاء السابقين في الجيش الأفغاني وقوات الأمن المحلية.

لكنّ غياب أي نظام حُكم بديل وجدير بالثقة، تزامناً مع تفاقم الأزمة الإنسانية، هو السبب الكامن وراء الضغوط المتزايدة على الرئيس الأميركي جو بايدن للاعتراف بنظام "طالبان"، مع أنه أكبر كارتل للمخدرات في العالم ويتولى عشرات الإرهابيين الخاضعين للعقوبات أعلى المراتب في الحركة. يتكلم بعض المحللين عن أهمية حماية المصالح الأميركية وتخفيف حدّة الأزمة الإنسانية، رغم تخصيص مليارات الدولارات للأمم المتحدة لإطعام أعداد متزايدة من الجياع، وقد اقترحوا إنهاء عزلة "طالبان" عبر التواصل معها شرط عدم الاعتراف بها دبلوماسياً. لكن لا تزال الحركة منبوذة محلياً وخارجياً حتى الآن.

لم تتضح بعد مدى قدرة أمراء الحرب على سدّ الفراغ الناشئ. يبدو أن الولايات المتحدة والتحالف الدولي الذي حارب طوال عشرين سنة لا يرغبان في العودة إلى الصراع في أفغانستان. ولا تريد الدول المجاورة تمويل جماعات المقاومة أو تسليحها، فهي مسرورة بانتهاء الصراع على الحدود وتأمل في التعايش مع "طالبان" رغم صعوبة هذه المهمة.

برأي الباحث علي محمد علي في نيويورك، وهو مستشار الحكومة الأفغانية السابقة في الشؤون الأمنية، يثبت احتمال عودة أمراء الحرب فشل الحكومات الأفغانية المتعاقبة وداعميهم الغربيين في بناء مؤسسات مستدامة.

يضيف علي: "المجتمع الدولي يفتقر إلى الكفاءة والتماسك ويجب أن يسترجع توازنه سريعاً لأن مشاكل أفغانستان لن تبقى محصورة في الداخل. يفتقر البلد أيضاً إلى مؤسسات الحُكم المستدامة التي بُنِيت خلال عقود الوصاية الغربية، بما في ذلك بنك مركزي قوي وحكومة مركزية كفوءة. من دون تطوير هذه القدرات، يجازف البلد مجدداً بالتفكك والتحول إلى معقل للإرهاب. لا مفر حينها من تسهيل عودة أمراء الحرب وتجدّد قمع "طالبان"، حتى أن جماعات مثل "داعش" و"القاعدة" قد تملأ الفراغ عبر تقديم الخدمات وتحقيق العدالة للشعب. هذا ما حصل في العراق وقد تتكرر الأحداث نفسها في أفغانستان إذا اعتُبِر الوضع الراهن طبيعياً".


MISS 3