شربل داغر

جَوّالي، يدي الممتدة

27 حزيران 2022

02 : 15

كثيرٌ مِما نعيش، ونتصرف، ونفكر، ونسلك، ونَحكم عليه (وغيرها الكثير)، يتغير مع الثورة الرقمية. وهي ثورة لم تكتمل بعد، بل هي في فوران انطلاقها وتجلياتها. ثورة مفتوحة بالتالي في وسائلها، ومفاعيلها، ما يجعلنا نندهش ونتحقق من تغيراتها الحادثة، على الرغم من نشأتها المتأخرة.

مع ذلك، يستطيع أي واحد منا التحقق مما جرى لحياته في أقل من عشرين سنة.

الهاتف الجوّال، في العقد الأخير من الألفية المنصرمة، لم تعبأ به دولٌ كانت تنعم بشبكة هاتفية ثابتة، وأكشاك هواتف عمومية في الشوارع والجادات، وبطاقات هاتفية رخيصة وغيرها.

هذا ما تأكدتُ منه بنفسي في غير بلد اوروبي في منتصف التسعينات...

هذا الهاتف الجوّال بات حاضراً أينما كان، بل هناك أكثر من رقم لهاتف واحد أو أكثر...

الهاتف الجوّال بات امتداداً تلقائياً ليد الإنسان، مثلما كتبتُ ذات يوم. أول ما تجلس على كرسي، تتأكد من حسن وضع الهاتف الجوّال... أول ما تغادر مكانك، تسارع إلى تفقد الهاتف الجوّال...

لا يستقيم سيناريو رواية متأخرة أو فيلم أو مسلسل، من دون أن يكون الهاتف الجوّال محرّك الأحداث فيها...

بينما قامت شركات وتطبيقات برنامجية يتسهيل التواصل (المجاني في أحوال عديدة)، مع الصورة الحية والفيديو وغير ذلك.

هذا ما أصابني بدوري، فيما كنتُ أظنني شكاكاً ومتنبهاً لألاعيب السوق واستدراج الزبائن وغيرها.

لم أتردد في شراء هاتفي الجوّال منذ مطالع العام 1995، بعد عودتي إلى لبنان، و"اكتشافي" أن لا وجود (أو إمكان وجود) هاتف ثابت في بيتي الجديد.

لا اريد سرد سيرتي مع الجوّال، لأنها عديدة الفقرات، ولا تلبي فقط حاجاتي التكالمية المتزايدة معه.

هكذا اشتريتُ، ذات يوم، هاتفاً جوّالاً، يشتمل على حاسوب صغير، بل ضمنتُه عناوين وفقرات من مجموع محاضراتي على طلبة المعهد العالي للفنون والحِرَف في مدينة تونس...

لكن ما حدث لي قبل أربع سنوات وأزيد، فات ما كنتُ أتوقعه أو أخطط له.

وجدتني، في غفلة مني تماماً، أنساق إلى كتابة قصيدة، أو تعليقي الأسبوعي، أو تدوينات في الفيس بوك، او أفكار في كتاب قيد الإنشاء وغيرها، في حافظة هاتفي الجوّال.

أصبحَ الحاسوب، في كثير مما أكتب،

المنتهى الختامي له، لا المختبر.

والأدهى، في هذا، هو أنني أعاني من عمليات التصحيح والتدقيق بعد أن أحول كتاباتي من هاتفي إلى حاسوبي، من دون أن تجعلني هذه العمليات المتعبة والمبددة للوقت أراجع وأعدل اعتياداتي الناشئة في الكتابة.

الهاتف الجوّال غيّرَني، إذ بات أقرب إلى يدي، بل موصولاً تماماً بها، أشد تنصتاً إلى هسيسي الداخلي (كما يحلو لي أن أقول لنفسي أحيانا).

لهذا اراني محمولاً به، غير هيّاب من مَوْجِه، ومن انغماسي الشديد فيه: عالَمي، بمتناولي، في قبضة يدي، مهما حللَ راصدو مفاعيل التحكم بنا في الثورة الرقمية.


MISS 3