هالة نهرا

تكريم الأديب الراحل أحمد علبي في الجامعة الأميركية في بيروت

29 حزيران 2022

02 : 02

كُتُب أحمد علبي في مكتبة "يافث"

بمناسبة وهب جزء من مكتبة الكاتب الموسوعيّ والأديب الراحل الدكتور أحمد علبي (1936-2017) لـ"مكتبة يافث" (نعمه يافث Nami Jafet) في "الجامعة الأميركية في بيروت"، أُقيمَ حفلٌ تكريميّ لعلبي بعد ظهر يوم الإثنين 27 حزيران في بَهْوِ المكتبة، وقد تخلّلت الحدث كلماتٌ عدّة، وتُوِّجَ بفيلمٍ وثائقيّ، وأُرفِق بكوكتيل.

أحمد علبي تنزّه في حُزَم الضوء والشوارد. برع في الحفر والسبك الملازمَين للمنطق والتحشيد المعرفيّ. كوَّمَ في حياته رصيداً ثقافياً اكتنز وشَهَقَ برفعةٍ وتواضعٍ جليّ في آن. كان باحثاً رزيناً، طويل الأناة ومجتهداً متبحّراً، ولغويّاً متمرّساً ممسوساً بالضبط والإحكام والعناية في أغوار اللغة ولُجّتها. هَوِسَ بالدقّة المتبلّرة بين علامات التنصيص والوقف، والتحريك حتى في بعض عناوين كُتُبه (جزئياً)، ليكاد القارئ يسمع أحياناً صدىً تُرجّعه باقةٌ من أوراقه وأبحاثه. كأنه كان يهامس الحروف لتومض ظلالها وتزدان بوهج سِيماها. أقام في اللغة التي سكنتْه مهجوساً ومُهاجساً، وشُغف بالمنجَز العقليّ في تكدّسه وتحوّله الكَيْفيّ النوعيّ والتراث الإنساني. لمّاحٌ في أسئلته وتقدّميٌّ هو في رؤيته وتأمّلاته الهادئة والمتماوجة.




د. عمار علبي عميد كلية الزراعة والعلوم الغذائية




من أبرز مؤلّفاته كتاب "ثورة الزنج وقائدها عليّ بن محمد"، و"طه حسين رجل وفكر وعصر"، و"العهد السرّي للدعوة العبّاسية أو من الأمويين إلى العبّاسيين"، و"ثورة العبيد في الإسلام"، و"يوميّات مجنون ليلى"، و"بالأحضان يا بلدنا"، و"إبن المقفّع الكاتب والمترجم والمصلح"، و"المنهجية في البحث الأدبي"... إضافةً إلى كتابه بعنوان "رئيف خوري داعية الديمقراطية والعروبة" (دار الفارابي- 2013)، و"خبايا السيرة/ حسين مروّة يحاوره أحمد علبي" الصادر عن "دار الفارابي" (إعداد وضّاح علبي- 2021).

الفيلم الوثائقيّ من إخراج سمير يوسف، فيما الكلمات ألقاها كلٌّ من الدكتور باسم فليفل المسؤول في مكتبة "يافث"، وعميد كلّية الزراعة والعلوم الغذائية في "الجامعة الأميركية في بيروت" الدكتور عمّار علبي، وقد ألقى كلمةَ المؤرّخ والباحث فوّاز طرابلسي وضّاح علبي بسبب سفر طرابلسي. شكرت عائلة علبي الجامعة على بادرتها اللطيفة عبر هذا التكريم.




وضاح علبي ملقياً كلمة د.فواز طرابلسي



أفاد باسم فليفل الحضور بأنّ أحمد علبي، الذي كان يكتب في جريدة "النداء" مستعيناً باسمين مستعارين (بين عامَي 1975 و1989)، كتب في جريدة "النهار" (من سنة 1984 حتى سنة 1996)، وفي جريدة "البلد" (2005- 2006)، كما كان عضواً في اتّحاد الكتّاب اللبنانيين واتّحاد الكتّاب العرب، وتُرجمَ بعض أعماله إلى الفرنسية والإنكليزية والفارسية. عبّر فليفل عن سرور مكتبة "يافث" باقتناء "إبن المقفّع مصلحٌ صرعهُ الظلم"، و"الإسلام والمنهج التاريخي"، و"ثورة العبيد في الإسلام"، و"طه حسين، سيرة مكافحٍ عنيد"، و"في حنايا الوطن الملهَم"، و"العهد السرّي للدعوة العباسية"، و"يوميات مجنون ليلى"، وسواها. وأعربَ عن بالغ سرور مكتبة "يافث" في اقتناء معظم مكتبة أحمد علبي الواسعة الثريّة بعدما تبرّع بها نجلا أحمد، وضّاح وعمّار. نوّه فليفل بالكتب التي تدور في فلك الأدب العربي، لا سيما ما كُتِب خلال العصر العبّاسي، ومنها قسمٌ كبير عن أعلام العصر الحديث، موضحاً أنّ هناك مجموعة لا يُستهان بأهمّيتها أيضاً، تتمحور حول تاريخ العرب والمسلمين والدراسات الحضارية الإسلامية، والصراع العربي- الإسرائيلي، والقومية العربية، والفكر الإشتراكي، ومعظم تلك الكتب "أعمالٌ أصيلة"، على حدّ تعبير فليفل.

أحمد سهيل علبي كما ورد في الفيلم لبنانيٌّ متحدّرٌ من عائلةٍ دمشقية جاءت إلى بيروت عام 1900. جَدُّهُ - قال أخوه الدكتور عاطف علبي- جاء من الشام وكان من التجّار البرجوازيين. تأثّر أحمد بأستاذه الأديب رئيف خوري الذي اكتشفه قائلاً لبعض الأساتذة إنّ أحمد سيكون كاتباً في المستقبل. كانت لأحمد تجربة صحافية باكرة مع صديقه حبيب صادق (النائب السابق والشاعر ورئيس "المجلس الثقافي للبنان الجنوبي") في جريدة "الأخبار" الأسبوعية عام 1954. كما كتب أحمد علبي في صحيفة "الحياة" أيّام مؤسّسها كامل مروّة وكانت له زوايا حملت العديد من الأسماء، بينها: "أفكارٌ هادئة"، "أصدافٌ على الشاطئ"، "حبر"، "نافذةٌ على البحر"، "هذه الدنيا"، "إبتسامة"، "مشاغل شتّى"، و"شطآن".

حدّثنا عنه في الفيلم الخبير الاقتصادي الدكتور كمال حمدان وقاماتٌ عدّة، وقال المفكّر كريم مروّة إنه قال لأحمد إنه سيصبح في زمنٍ ليس بعيداً أحد أدباء لبنان المعاصرين. من الجدير ذكره أنّ علبي الماركسيّ تأثّر بالأفكار العلمانية في "البعثة العلمانية الفرنسية" حيث درس في مرحلة التعليم الثانويّ. اللافت قول علبي المُومَأ إليه في الفيلم: "أن تكون يسارياً تقدّمياً يعني أن تكون مثقّفاً"، علماً بأنّه شارك في التأليف أيضاً لدى "المركز التربوي للبحوث والإنماء".





دعوة الجامعة الأميركية



الحفل المحتفي بالمناقبيّ الخَفِر معرفياً كالسنابل الملأى حدّ الاكتظاظ، بذلك المناضل على طريقته الذي آمن بقدسية الزمان والمكان، حضره الفنّان كريم دكروب والدكتور ربيعة أبي فاضل ووجوهٌ بارزة، ونخبة ثقافية وعلمية وفكرية وأكاديمية مرموقة.

"أحمد علبي كومبيوتر قبل اختراع الكومبيوتر!". إنها جملةٌ شفيفة لاحتْ في الفيلم، ترنّ في البال في زمن الاستسهال، لتصطحبها على قارعة الطريق بعد اختتام الحدث الرفيع، تختزل وتُكثّف وتكشف وتحثّ على المزيد من النبش والتنقيب في رخامة الغياب المرتجَع.


MISS 3