لين أودونيل

الأمم المتحدة تعرف أن أفغانستان في ورطة لكنها تلتزم الصمت

1 تموز 2022

المصدر: Foreign Policy

02 : 05

أفغانيات بالبرقع ينتظرن مع أطفالهن توزيع الغذاء من "برنامج الغذاء العالمي" في ضواحي كابول
أكد تقرير داخلي صادر عن الأمم المتحدة وقوع أسوأ المخاوف المرتبطة بتجاوزات حركة "طالبان" في أفغانستان، بما في ذلك إساءة معاملة النساء والأولاد، وإسكات وسائل الإعلام، واستهداف الناشطين في المجتمع المدني، وإغلاق منظمات حقوق الإنسان، واستبدال التعليم العام بشكلٍ متطرف من التلقين الديني.

يفصّل التقرير الذي أصدرته "بعثة الأمم المتحدة لمساعدة أفغانستان" في شهر أيار وضع حقوق الإنسان في أفغانستان والانتهاكات والتجاوزات المشينة التي ترتكبها "طالبان" هناك. يوضح هذا التقرير أن الأمم المتحدة لم تؤثر على ازدراء الإسلاميين بأبسط حقوق الإنسان، بما في ذلك تأمين الطعام والتعليم، رغم تواصلها مع "طالبان" منذ سنة تقريباً باعتبارها الحاكمة الفعلية لأفغانستان.

خلال الأشهر العشرة منذ استيلاء "طالبان" على البلد مجدداً، بفضل "اتفاق السلام" الذي أبرمه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وقرار الرئيس الحالي جو بايدن بسحب جميع القوات الأميركية، تدهور وضع البلد بسرعة هائلة. أقدمت "طالبان" على كبح معظم التقدم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي تحقّق على مر عشرين سنة من عهد الجمهورية الأفغانية.

تتعلق مشكلة كبرى بامتناع الجهات المانحة الدولية عن تقديم المال إلى "طالبان" مباشرةً، فهي تفضّل ضخ الأموال عبر قنوات أخرى. لكن لطالما سيطرت الأمم المتحدة على الجمعيات الخيرية الأصغر حجماً والمنظمات غير الحكومية التي تنشط في أفغانستان، ما يُصعّب عليها إتمام مهامها كما يقول المسؤولون فيها، مع أن هذه الخطوة تهدف إلى إيصال المال إلى الشعب الأفغاني بدل النظام.

وفق مصادر مطّلعة على قطاع المساعدات الخاصة بأفغانستان، تسيطر "طالبان" على المنظمات غير الحكومية محلياً، ما يعني حصولها على الإمدادات التي يُعاد توجيهها في معظم الأوقات إلى مناصريها وجنودها. وقعت هزة أرضية بلغت قوتها 6.1 درجات في 22 حزيران ودمّرت أجزاءً من ولايتَي "خوست" و"باكتيكا" الشرقيتَين، فسقط آلاف القتلى والجرحى. سلّط هذا الحدث الضوء على غياب التنظيمات والرقابة في ذلك القطاع. يقول رئيس منظمة غير حكومية محلية لم يفصح عن اسمه حفاظاً على سلامته: "لا تملك المنظمات غير الحكومية، سواء كانت محلية أو دولية، القدرة على تحدّي السلطات".

كان الأطباء وخبراء الطوارئ من بين آلاف الأشخاص الذين غادروا البلد بعد استيلاء "طالبان" عليه في آب 2021. وطُرِد عدد كبير من الذين بقوا في أفغانستان حين بدأ النظام الجديد يتخلص من بقايا الجمهورية.

في هذا السياق، يقول محمد حقمل، رئيس قسم الصحة العامة السابق في أفغانستان: "هذا ما يحصل حين يقوم الصغار بأعمال الكبار. هم لا يملكون الموارد اللازمة، ولا يريدون الإصغاء إلى أشخاصٍ يجيدون التصرف في ظروف مماثلة، ولا يهتمون بالتعلّم. الوضع عبارة عن فوضى عارمة".

طلبت الأمم المتحدة حوالى 5 مليارات دولار لتلبية الحاجات الإنسانية في أفغانستان هذه السنة لأن نصف السكان (حوالى 38 مليون نسمة) يواجهون نقصاً حاداً في المواد الغذائية، ويتولى الشركاء المحليون تسليم أكبر كمية من المساعدات. ثمة 4 آلاف منظمة غير حكومية مسجّلة في أفغانستان وفق المصادر المطّلعة، لكن يقتصر عدد المنظمات الناشطة على نصف هذا الرقم.

خلال جلسة مخصصة لمناقشة الوضع في أفغانستان يوم الخميس الماضي، سمع مجلس الأمن في الأمم المتحدة أن الحكومة الجديدة تحاول المشاركة في اختيار المستفيدين ونقل المساعدات إلى أشخاصٍ تعطيهم الأولوية. يحصل ذلك رغم التدابير الرامية إلى منع "طالبان" من استلام المساعدات المالية الدولية وتعهد الحركة بالامتناع عن محاولات مماثلة.

تنشر "بعثة الأمم المتحدة لمساعدة أفغانستان" محتوى اجتماعاتها مع مسؤولين من "طالبان" بشكلٍ دوري، وهي تقول إنها تتابع الضغط عليهم لتنفيذ التزاماتهم في مجال حقوق الإنسان. حصلت صحيفة "فورين بوليسي" على وثيقة صادرة عن البعثة ومؤلفة من ثلاث صفحات، وهي توضح أن التقدم الذي يحرزه البلد لتحسين ظروف ملايين الأفغان لا يزال محدوداً أو شبه معدوم.

هذا التقرير هو عبارة عن بيان داخلي دوري حول وضع حقوق الإنسان، وتُوزّعه وكالات الأمم المتحدة وسفارات الدول الأعضاء وأطراف مهتمة أخرى. ربما يُصرّ المعنيون على إعطائه طابعاً سرياً انطلاقاً من الفكرة القائلة إن الضغوط في الأوساط الخاصة تبقى أكثر فعالية من التشهير العلني، كما يحصل في بلدان مثل الصين. تذكر مصادر في قطاع المساعدات أيضاً أن وكالات الأمم المتحدة في أفغانستان تخشى أن توقف "طالبان" العمليات المطلوبة منها إذا تعرّضت لانتقادات علنية.

لكن لم تكتفِ "طالبان" بالانقلاب على حقوق النساء والمواطنين الأفغان الآخرين، بل إنها أطلقت موجة قتل ضد خصومها في أنحاء البلد، وفق تقرير الأمم المتحدة. تذكر مصادر من داخل أفغانستان وخارجها أن الحركة اعتقلت الناس وضربتهم وعذبتهم وقتلتهم وحرقت منازلهم في وادي "بنجشير"، بالقرب من كابول، حيث استمرت المقاومة لحُكم "طالبان". وفي أجزاء أخرى من الشمال أيضاً، قوبل القتال بردود وحشية.

على صعيد آخر، تذكر وثيقة "بعثة الأمم المتحدة لمساعدة أفغانستان" حصول "عمليات قتل خارج نطاق القضاء، واعتقالات تعسفية، وأعمال تعذيب وسوء معاملة" بحق أشخاصٍ متّهمين بارتباطهم بـ"جبهة المقاومة الوطنية" و"الدولة الإسلامية في ولاية خراسان" التابعة لتنظيم "داعش".

تدخل هذه التصرفات في خانة أعمال العنف المباشرة، لكن تتبنى "طالبان" نهجاً وحشياً غير مباشر أيضاً.

يذكر تقرير الأمم المتحدة أن الأولاد والنساء يتأثرون بالفقر المدقع بدرجات متفاوتة نتيجة سوء إدارة "طالبان" لاقتصاد البلد. هم معرّضون "للاستغلال وسوء المعاملة بسبب ممارسات الاتجار بالبشر، وبيع الأولاد، وزواج الأطفال والزواج بالإكراه، وعمالة الأطفال، والعنف المنزلي".

حتى أن حركة "طالبان" بدأت تستبدل بعض المدارس الرسمية بمدارس دينية حيث يتعرض الأولاد لسوء المعاملة ويتعلّمون التطرف. يضيف التقرير، لكن من دون طرح تفاصيل وافية، أن "السلطات تتابع حتى الآن تجنيد الأولاد واستغلالهم".

على مر عشرين سنة من عمليات التمرد، استعملت "طالبان" الجنود الأطفال على جبهات القتال أو لزرع عبوات ناسفة تستهدف القوات العسكرية الدولية. كذلك، استُعمِل الأولاد كانتحاريين في مناسبات متكررة، فكانت الحركة تأخذهم أو تشتريهم من عائلاتهم الفقيرة وتربّيهم في المدارس الدينية في الأراضي الحدودية بين أفغانستان وباكستان. هم يتدرّبون هناك على استعمال الأسلحة وصنع العبوات الناسفة بين عمر الخامسة والسادسة، وتُغسَــل أدمغتهم عبر منحهم وعوداً بدخول الجنة.

في الوقت نفسه، يذكر تقرير "بعثة الأمم المتحدة لمساعدة أفغانســـــتان" أن الحريات الأساسية "لا تزال معرّضة للانتهاكات"، إذ لا تسمح الحركة بنشر آراء مخالفة لها. ونظراً إلى استهداف الناشطين والصحافيين والعاملين في وسائل الإعلام، فضّل معظمهم فرض رقابة ذاتية على أنفسهم حفاظاً على سلامتهم.

في غضون ذلك، تم إسكات منظمات المراقبة، فقد أُغلِقت المؤسسات المكلّفة بالحفاظ على نزاهة الحكومة، بما في ذلك اللجنة الأفغانية المستقلة لحقوق الإنسان وقسم دعم حقوق الإنسان التابع لوزارة العدل، فأُلغِيت بذلك الآليات التي تسمح بتلقي شكاوى الناس والتواصل مع السلطات. كذلك، يتعرّض الأشخاص القابعون في السجون للاحتجاز لفترة طويلة قبل محاكمتهم، ويُمنَع المحامون من مقابلتهم في معظم الأحيان، ولا تؤمّن لهم السجون كميات مناسبة من الطعام ووسائل الراحة والرعاية الصحية وأي خدمات أخرى.

يذكر التقرير أيضاً أن حركة "طالبان"، رغم عدم الاعتراف بها كحكومة شرعية، تبقى ملتزمة بالمعاهدات التي تضمن "الحقوق المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، لجميع الناس في أفغانستان".



أفغان خلف القطبان



يحذر تقرير الأمم المتحدة من اندلاع اضطرابات مدنية حتمية في حال التنصل من هذه الواجبات، وتقول مصادر مقرّبة من "طالبان" إن توسّع الإحباط بسبب الفقر المدقع واقتراب ملايين الناس من المجاعة قد يصل إلى نقطة اللاعودة قريباً.

أخيراً، يقول مصدر مقرّب من قيادة "طالبان" (لم يرغب في الإفصاح عن اسمه حفاظاً على سلامته أيضاً): "ستدمّر "طالبان" نفسها بنفسها إذا لم تهتم بحاجات جميع الناس. من الواضح أن أعداء "طالبان" ثلاثة هي الجوع والجفاف وانعدام الأمان. من المتوقع أن تُمهّد هذه التعاسة كلها لتأجيج مشاعر الغضب. وإذا قرر 1% من الشعب فقط أن يبدأ القتال، ستزول "طالبان" من الوجود".


MISS 3