خالد العزي

الجنرالات الروس يتحمّلون مسؤوليّة الفشل في أوكرانيا

2 تموز 2022

02 : 01

للجيش الروسي تاريخ طويل بإساءة معاملة أفراده وعائلاتهم الخائفة (أ ف ب)

لا شكّ بأن معارك روسيا في أوكرانيا كشفت القناع عن بشاعة تعامل قيادة الأركان مع قواتها العسكرية، بحيث باتت قضية القتلى والجرحى والجنود الجدد محلّ تساؤل الأهل الذين لا يحصلون على جواب واضح من القيادة.

تقديم روسيا نفسها بأنها القوة العالمية الثانية، وعلى الرغم من معداتها العسكرية المتقدمة ومزاياها المتعددة على الورق، فإنها قد تعثرت وفشلت استراتيجيّاً وعمليّاً وتكتيكيّاً في أوكرانيا.

وقد أعاقتها فرضيات التخطيط الخاطئة والجداول الزمنية غير الواقعية والأهداف غير العملية، إذ عانى جيشها من نقص في الإمدادات وسوء الخدمات اللوجيستية وعدم كفاية "حماية القوة" وإجراءات وقاية العسكريين وعائلاتهم والمرافق والمعلومات الحساسة من المخاطر والتهديدات. كما أن القيادة السيّئة قد زادت الطين بلّة، ما انعكس سلباً على خدمة المجنّدين.

فالخلاف الذي بات واضحاً بين المخابرات وقيادة الأركان الروسية في تحميل بعضهم البعض فشل العملية العسكرية، قد تجلّى في إعفاء الكثير من الجنرالات من الخدمة، وأصبح بالتالي السؤال: من الذي سيكون كبش المحرقة في نكسات روسيا في أوكرانيا؟

للجيش الروسي تاريخ طويل بإساءة معاملة أفراده وعائلاتهم الخائفة. فخلال حرب الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، لم يُبلّغ العديد من المجنّدين مسبقاً بأنه سيزجّ بهم في ميدان القتال. وعندما لقوا مصرعهم أو صاروا في عداد المفقودين، كانت السلطات السوفياتية فظّة مع الآباء والأمهات المفجوعين وغير معنية بهم، لا سيما الأمهات اللواتي نظّمنَ جهودهنَّ للحصول على إجابات عن مصير أولادهنَّ.

وفي التسعينات، أرسلت روسيا إلى الشيشان مجنّدين غير مستعدّين لخوض حرب شوارع قاسية في مدن مثل غروزني، حيث قُتل العديد من هؤلاء الجنود أو جرحوا أو أُسروا. وغالباً ما توسّلت الأمهات لتأمين الإفراج عن أبنائهنَّ المسجونين. لكن القادة قابلوهنَّ بالتجاهل.

لقد سافرت أمهات كثيرات مباشرة إلى الشيشان ليعثرنَ على أولادهنَّ، وقمنَ بين الحين والآخر بالتوسّط في صفقات أو بترتيبات لتبادل السجناء مع مجموعات شيشانية متشدّدة لأجل إطلاقهم.

أمّا في العام 2014، حين أرسلت روسيا سرّاً قوات إلى شرق أوكرانيا، تعرّضت عائلات العسكريين من جديد إلى الإهانة وحتّى الكذب في شأن وضع أولادهم وظروفهم. وقيل إن أولادهم قد ماتوا جرّاء حوادث وقعت أثناء التدريب في روسيا بدلاً من شرق أوكرانيا. وفي سوريا العام 2015، استخدمت روسيا العقود الخاصة مع المتطوّعين لتفادي أسئلة الأهالي المحيّرة.

لا تقتصر هذه المشكلات على قضايا التجهيزات التقنية أو سوء التدريب أو الفساد، بل إنّها ترتبط بموضوع أساسي في صميم القضية، ألا وهو عدم اكتراث الجيش الروسي بحياة وسلامة وراحة أفراده. في أوكرانيا، يُكافح الجيش الروسي لانتشال جثث قتلاه وإخفاء الضحايا، غير مبال بقلق عائلات أفراده. يُنفق الجيش مليارات الدولارات على معدّات جديدة، لكنّه لا يُعالج إصابات جنوده بشكل لائق، وبصورة عامة لا يبدو أنه مهتمّ بشكل كبير إذا تعرّضت قوّاته إلى صدمات.

لعلّ القادة الذين انهمكوا في رسم الخطط المجرّدة للحرب داخل مقرّ وزارة الدفاع، قد استنتجوا بشكل منطقي أنهم يجب أن يقوموا بالغزو عبر منطقة تشيرنوبيل المحظورة باعتبار أن ذلك يُمثل، على الخريطة، الطريق الأقصر وغير المحمي من بيلاروسيا إلى كييف! لكن لو أنهم حسبوا الحساب لجنودهم، لكان من الممكن أن يستخدموا مساراً مختلفاً.

أرسلت روسيا قوّاتها من دون معدّات واقية لحماية أفرادها من الغبار المشعّ. كما جعلت قواتها تحفر عميقاً ضمن بقاع التربة الأكثر تلوّثاً لإقامة حواجز لحماية الآليات، إذ ورد أن الجنود عاشوا لمدّة شهر قبل أن يتفشى المرض في أوساطهم ويجري إجلاؤهم طبياً.

إن تجاهل الجيش لجنوده قد أدّى إلى إضعاف أدائهم القتالي. لقد أساء أيضاً إلى معنوياتهم ورغبتهم بالقتال، فيما يسرق الضباط بشكل منظّم محتويات حزم الرعاية المُرسلة من الأهل إلى أبنائهم. فلا عجب أن بعض الوحدات قد فرّت ببساطة من الصراع وعمدت إلى ترك معدّات حديثة تعمل بكامل طاقتها في الحقول الأوكرانية. وآخرون كانوا يُفكّرون بإطلاق النار على أنفسهم، حتّى يستطيعوا أن يُغادروا.

مع انهيار المعنويات والانضباط، بدأ الجيش بنهب كلّ ما تقع يده عليه من أوكرانيا، حيث بات التبارز بين الوحدات الداغستانية والبورياتية، ومن ثمّ شحنه إلى الوطن. لقد داهموا حوانيت البقالة للحصول على الأكل، وسرقوا الطعام والماشية من الأوكرانيين.

ليس غريباً أن الجنود الروس قد تورّطوا بارتكاب جرائم على نطاق واسع في العديد من القرى والمدن الأوكرانية. وبالفعل، فقد تورّطوا في فظائع يندى لها الجبين، كالتعذيب والاغتصاب وعمليات الإعدام، وبدلاً من إظهار القلق حيال انتهاكات كهذه، فإنّ الكرملين أعطى لقباً شرفيّاً على إحدى الوحدات المتّهمة بارتكاب فظائع في بوتشا.

وإضافةً إلى انتهاكات حقوق الإنسان، فإنّ هناك تشريعاً روسيّاً جديداً يكمّ أفواه من يُحاول سرد الروايات غير المرغوب فيها عن الجيش الروسي، بما في ذلك حالات التعبير عن الحزن غير المصرّح به.


MISS 3