طوني فرنسيس

بعض الحياء

2 تموز 2022

02 : 00

لا حياء في قاموس أهل السلطة، وآخر الأدلة الخطوات التي تلت الانتخابات النيابية. أصلاً انعدم الحياء في تلك الانتخابات تحالفات وخطابات. ثم بعد انتهائها طار الحياء تماماً من الفضاء اللبناني، فشهدنا إعادة بناء لرمزي السلطتين، بما يناقض الحصيلة المفترضة لخيارات صندوق الناخبين، وعندما رسا الامر على إعادة تكليف الرئيس المكلف بالتصريف، إستُعيد مشهد لم يمر عليه الزمن، عن زيارات ولوائح وتشكيلات ورفض وشروط، يفترض ان لا تكون واردة في مقتضى قاموس المبادئ المعلنة لأصحاب المشورة، وواردة فقط في مهام الرئيس المكلف.

دخلت العلاقة بين بعبدا والسراي مرحلة المتصرفية. كان المتصرف يقيم في بعبدا والوالي يتربع في بيروت. ولم تكن العلاقة بينهما على ما يرام دائماً. الوالي يعتبر نفسه ممثل السلطان في ولايته، والمتصرف يمثل السلطان ولكنه يعتمد في بقائه على قرار دول الوصاية الخمس. لم نصل بعد، حسب الرواة، الى هذا الحد. لكن هناك ما يبشر به إذا لم يسارع الرئيسان ميشال عون ونجيب ميقاتي الى حسم مسألة الحكومة بالجدية والمسؤولية الضروريتين، فلا مبرر ابداً لهذا الابتذال والغنج بحثاً عن حكومة محكومة زمنياً بالعمل لأربعة شهور، في بلد يعيش شعبه معتمداً على نقود ابنائه المهجّرين وعلى اموال اصحاب المكرمات من واشنطن الى الدوحة وغيرهما من طيبي القلب والطوية.

لم تجد الحكومة ما تقدمه لمهجّريها العائدين للعيش اسابيع بين عائلاتهم سوى لافتة «أهلا بهالطلة». هؤلاء، اليوم خصوصاً، هم من يصوغون قدرة بلادهم على الاستمرار، فيما اصحاب القرار يصوغون صيغ الإيغال في الخراب. بهؤلاء تستمر بقايا الدولة والحياة اليومية، وإلى جانبهم ينبغي ان يستوقفنا أمر بالغ الدلالة: قطر تتبرع بـ60 مليون دولار لرواتب العسكريين بعد تعهد اميركي بدفع مبلغ أكبر للغاية نفسها، فيما تتأخر رواتب العاملين في القطاع العام ويُضرب موظفو الادارة يأساً. وفي الاثناء تمتنع السلطة عن دفع رواتب دبلوماسييها في الخارج منذ شهور وهي تستعد لاستضافة وزراء الخارجية العرب اليوم تحضيراً للقمة العربية!

الشيزوفرينيا قد تكون صفة إضافية للمنظومة، لكن إضافة المزيد من النعوت لم يعد أمراً مهماً، فمع رتلٍ من حكامٍ هم نتاج حرب اهلية وفساد وولاء للخارج لا يمكن توقع غير نتائج كالتي يعيشها اللبنانيون، والأخطر في كل ذلك ان تصبح الدولة بمؤسساتها كافة منتجاً يرعاه طرف اجنبي، وهذا بدأ بالفعل عندما صارت المقاومة، أشرف ما أنتجه الشعب اللبناني في سنوات تمزقه، تتم برعاية اجنبية فتلتحق بها وتعمل لها فالله العاطي وعلى عبيده الطاعة. منذ زمن سحيق حذرنا من الاحتفال بالاستقلال في رعاية مارلبورو. حصل ذلك في بدايات التمزق اللبناني، وها هي الرعايات تتوالى.


MISS 3