شربل داغر

قبائل في هيئة أحزاب؟

4 تموز 2022

02 : 01

يحفل الخطاب السياسي الساري بين السياسيين، ومنهم بين اللبنانيين، بألفاظ باتت تقرب إلى الركائز في تعيين الهوية السياسية.

فهذا "حزب الله"، وتلك "أفواج المقاومة اللبنانية" ("أمل")، بينما تنحو أحزاب أخرى صوب "لبنانيةٍ" هي أبعد من الصفة، بل أقرب إلى وطن الانتماء: "الكتائب اللبنانية"، و"القوات اللبنانية"، فيما تنشط في السنوات الأخيرة أسماء-ألفاظ هي أقرب إلى السجل المشترك في القيم السياسية والدستورية: السيادي، التغييري، الثوري وغيرها.

ولو طلب المتابعُ الفحصَ المزيد لهذه الأسماء، لوجد أنها تنهل كما تتطلع إلى هويات ومُثُل وتهويمات هي من قبيل الدعاية والحض والتوهم من جهة عالي كلامها، لكنها مخاصَمة للغير ومنازَعة له من جهة خافية أحياناً.

إلا أن ما لا يَخفى على المتابع هو ان هذه التنظيمات تُحركها انشداداتٌ وأواصرُ لحمة قبلية في بنيتها الاجتماعية، قبل ان تكون حزبية وطائفية أو مذهبية أو ايديولوجية.

وهو ما لا يَظهر بالضرورة في الخطاب، في الدعاية، في الشعارات وغيرها، وإنما يَظهر مؤكداً في ما يدعو هذا أو ذاك إلى الانتساب، إلى التعاضد مع غيره، في عصبية قبلية مشدودة ضمن القبيلة الكبيرة، في المجتمع المتسع.

هذا ما يمكن تتبعه في عمليات الانتساب والعضوية، التي تجد منبتها في المشترك المذهبي، أو الطائفي ("المسيحي"، منذ توحيد بشير الجميل للبندقية المسيحية)، فيما يَجمع الحزب "التقدمي الاشتراكي" بين عصبيته الدرزية ومشترَكه الإيديولوجي الفضفاض (بين التقدمي والاشتراكي والسوفياتي والفلسطيني والعروبي والعلماني وغيرها).

هذا ما يمكن ملاحظته بمجرد اجتماع مجموعة، وتداولِها في أمور عضويتها، وفي ما يُحركها في التنظيم والخصومة، إذ يتبدى أكثر العصبُ القبلي، ومنه العبارة الرائجة عن "شدِّ العصب" في اللحظات الشديدة قبل المعارك السياسية والانتخابية خصوصاً.

وما تجلت عليه "ثورة 17 تشرين" هو عدم قدرتها على إنجاز اي تغيير في السياسة. بل تكشفت جدالات "نواب التغيير" أنفسهم عن منافسات في ما بينهم، لا يمكن عزوها -مهما تستروا- إلى خلافات ايديولوحية او برنامجية، بقدر ما تعكس التفرد القبلي، وعدم القدرة على الانضمام إلى مشترَك جَمعي، حزبي أو غيره.

وماذا عن زعامات وراثية في السياسة، وتتلطى تحت مسميات حزبية ونضالية وغيرها؟

هذه قبائل حديثة في حراكها الداخلي، أكثر منها تجمعات حزبية. وهي، إذا كانت تتوافر فيها بعض مواصفات الأحزاب، فإنها تعمل وتنشط وتتحرك وفق الصراعات ضمن القبيلة الواحدة، حيث يكون الخلاف الأشد بين أولاد العمومة.