في زمنٍ تتسابق فيه الأمم لتأمين مستقبلها، يبقى لبنان رهينة لمجموعة من المتحكمين بمصيره. مصرفيون جشعون، سياسيون فاسدون، وأحزاب تحولت إلى شركات مافيوية تدير البلاد كغنيمة حرب.
بينما تتقدم دول العالم، يصرّ لبنان على البقاء أسير من دمّر اقتصاده: المصارف التي نهبت أموال المودعين بشراكة مع مصرف لبنان، وأحزاب الوصاية الداخلية الذين وفّروا غطاءً سياسياً لهذا الإنهيار، تارة تحت شعار "حماية الطائفة"، وطوراً بإسم "المقاومة" أو "حقوق المسيحيين".
اليوم، للمرة الأولى منذ زمن طويل، نشأت فرصة حقيقية عبر حكومة كفائات بادرت إلى خطوات إصلاحية حقيقية بإشراف صندوق النقد الدولي، لإنقاذ ما تبقى من لبنان. إصلاحات تهدف إلى محاسبة من بددوا أكثر من ٧٥ مليار دولار من أموال الناس، ووقف مهزلة النظام المصرفي الذي بات يمول نفسه عبر أوجاع المواطنين.
لكن الرد من الداخل كان صاعقاً: حملة منظمة قادها تحالف من المصارف وبعض القضاة الفاسدين، مدعومة بآلة إعلامية تمولها الأموال المنهوبة، وتباركها قيادات سياسية ترى في أي إصلاح تهديداً لسلطتها ونفوذها.
اليوم لم يعد هناك شك بأن هنالك مصارف تعمل بكل قوتها لإجهاض أي مسار يُلزمها برد أموال المودعين. احزاب توفر مظلة تشريعية لعرقلة القوانين المطلوبة، بينما بعض أصحاب المصارف بالتعاون مع أركان الإستنزاف الوطني، يديرون معركة "التخوين" إعلامياً ضد كل من يدعو للإصلاح تحت شعار "السيادة".
هؤلاء لا يريدون لبناناً ينهض. يريدون وطناً مدمراً تسهل السيطرة عليه.
وهنا نطرح سؤالاً أخلاقياً صارخاً: هل يجوز ترك مصير لبنان مرهوناً بجماعات أثبتت في كل مناسبة أنها تعتبر الوطن مجرد منصة لتكريس نفوذها ومصالحها؟
في وقت تحركت دول مثل سوريا لاستعادة دورها، وعاد العراق رغم جراحه ليرسم مستقبله، لا يزال لبنان يغرق في وحل زبائنية أحزابه ومصارفه، ويقايض مستقبله مقابل حفنة من المصالح الرخيصة.
لم يعد الأمر يحتمل المجاملة.
نحن بحاجة إلى "ريتز كارلتون لبناني" حقيقي، تُجمع فيه كل الوجوه التي ساهمت في تدمير البلاد. من كبار المصرفيين، إلى حاشيات وقادة من الأحزاب المرتبطة بشكل مباشر وغير مباشر بتلك المصارف، والمنظرين الاقتصاديين الذين حموا منظومة الفساد تحت شعارات زائفة.
لبنان لن ينهض طالما هؤلاء أحرار. ولن تُسترد حقوق الناس بالكلام، بل بفعلٍ حازم وشجاع، يُعيد السلطة إلى يد الشعب، ويضع الفاسدين خلف القضبان، لا على كراسي السلطة.
نحتاج إلى قبضة لا تعرف التهاون، وزمن الحساب قد حان. التاريخ لا يرحم المتخاذلين...فإما أن نكسر القيود، أو ندفن الوطن بأيدينا.
لبنان أولاً، لبنان فقط!