وليد شقير

الحكومة وترسيم الحدود في البحر والرئاسة

4 تموز 2022

02 : 00

خلال لقائه وزراء الخارجية العرب السبت الماضي قدم الرئيس ميشال عون مداخلة استند في الإدلاء بها إلى ملاحظات مكتوبة كان قد حضّرها. وممّا قاله إنه «يتمنى للجزائر التوفيق في تنظيم القمة العربية في الأول والثاني من تشرين الثاني. وسأتابعها كمواطن لبناني، لأن ولايتي تنتهي في31 تشرين المقبل».

إعتبر بعض الوزراء العرب أن الهدف من هذه الملاحظة أمامهم إبلاغهم حرصه على مغادرة القصر الرئاسي بانتهاء الولاية، وردّاً على الأقاويل بأن هناك اجتهادات في صفوف فريقه حول أنه سيبقى فيه إذا لم ينتخب رئيس جديد، وإذا لم تكن الحكومة التي ستتولى صلاحيات الرئاسة مكتملة الصلاحيات، وبقيت حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي لتولي تلك الصلاحيات.

هذا لا يمنع قول مصادر نيابية وسياسية إن بعض محيط الرئيس يفكر باللعبة الجهنمية المشحونة بالاجتهادات القانونية حول بقائه في القصر الرئاسي بحجة أنه لن يسلم للفراغ، كما سبق أن قال، وطالما لم يضمن هذا الفريق للوريث السياسي قيام حكومة تمكنه من أن يحصل على ما يريد من تعيينات إدارية وعسكرية وتشكيلات قضائية وعسكرية، تسمح له بإبقاء نفوذه في الدولة، ليفرضه على الرئيس المقبل، ويحمي بها المكتسبات التي حققها بقوة وشراهة خلال العهد الرئاسي المنقضي. ومع أن المماحكة الحاصلة حول تأليف الحكومة ما زالت تتناول المبادئ التي طرحها الرئيس عون، بين توسيعها إلى ثلاثينية، أو تعديل الحالية بالإتيان بسياسيين بدل الاختصاصيين، أو تفعيل الحالية، ولم تتناول الحقائب والأسماء، فإن ذلك لا يعني سوى إطالة الأخذ والرد المعتاد عليهما فريق الرئاسة، على قاعدة «من ييأس أولاً» فيستسلم للمساومة المطلوبة. وتسريب أفكار من نوع رغبة «التيار الحر» بمبادلة وزارة الطاقة بالداخلية، دليل إلى استمرار الإمساك بورقة توقيع مراسيم الحكومة من أجل الحصول على حقائب تحقق امتيازات.

خصوم الرئيس ينسبون نفيه المتواصل نية البقاء في القصر، إلى إدراكه وفريقه أن هذا الأمر سيكون سبباً لموقف سلبي دولي حاسم ضد رموز العهد، بعد 31 تشرين الأول، يصل إلى العقوبات. ومع أن العواصم المعنية تدرك أن إمكان الفراغ الرئاسي، لا بدّ من الاحتياط له بتشكيل الحكومة في أقصى سرعة كما ظهر ذلك في استعجال بيان الخارجية الفرنسية إنجازها، وكذلك مطالبة مجموعة الدعم الدولية بالأمر نفسه «في سرعة»، فإن هذا الاستعجال يعود أيضاً إلى الحاجة الملحة لاستدراك المزيد من التدهور المالي والاقتصادي لأنه يقع على الحكومة الجديدة، والبرلمان، اتخاذ الخطوات المتأخرة منذ سنوات لتطبيق الإصلاحات، التي تصبح أكثر إلحاحاً كي يُعرض مشروع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على مجلس إدارته التنفيذي لإقراره فيطلق سراح القروض المقررة لصالح لبنان، ليستفيد من الـ3 مليارات دولار على أربع سنوات، التي تفتح الباب على مساعدات دولية وعربية أخرى. وإلا فإن الصورة السوداوية التي سينتقل إليها لبنان في حال التخلف عن الإجراءات المطلوبة خلال الأشهر القليلة المتبقية من العهد، ستقود بموازاة الفراغ الرئاسي وفي غياب حكومة أصيلة، إلى انهيار كامل في بنية الدولة، شهد لبنان على تداعياته، مع الإغلاق التام لكل دوائر الدولة بفعل إضراب القطاع العام منذ أكثر من أسبوعين.

قد يكون الزوار العرب لمسوا خلال مشاركتهم في الاجتماع التشاوري للجامعة العربية على مستوى الوزراء، السبت الماضي مدى التردي في أوضاع البلد وحاجته إلى انطلاق المعالجات الطويلة الأمد مع انتخاب الرئيس المقبل. والأرجح أنهم ينتظرون، مثل الكثير من اللبنانيين تغيير المعادلة في قلب السلطة لعله يفتح صفحة جديدة بين العرب ولبنان. ومع أن بعض الدول العربية الفاعلة يائسة من تغيير جوهري، فإن بعضها الآخر يرصد أسماء المطروحين لتولي المنصب الماروني الأول وربما لديه تفضيلات، قد تزيد الإشارات حيالها في المرحلة المقبلة.

بعيداً من المماحكات والمناورات التي نشهد وسنشهد عليها في شأن تشكيل الحكومة، والتي نتيجتها الفعلية المزيد من معاناة اللبنانيين في الأشهر المقبلة، فإن ما يجري بموازاة السعي إلى ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، والتي يأمل منها الفريق الرئاسي تحقيق مكسب بإنجاز الاتفاق عليها قبل مغادرة القصر، هو ترسيم حدود التأثير في الانتخابات الرئاسية التي على نتائجها تتوقف الوجهة التي سيسلكها لبنان مع العهد الجديد، إن داخلياً أو في تموضعه الإقليمي. وللمسيّرات الثلاث التي أطلقها الحزب أول من أمس نحو حقل كاريش، وظائف متعددة تتعلق بكافة أنواع الترسيم الجغرافي والسياسي لحدود الأدوار والخطوط.