خالد العزي

أوكرانيا تُعيد الحياة للناتو والكرملين في أزمة

5 تموز 2022

02 : 01

زيلينسكي مخاطباً قادة الناتو الأربعاء الماضي (أ ف ب)

بعد انتهاء قمة الناتو في إسبانيا خرج الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ بالقول: «الناتو يتوسع ويتمدّد، والأعضاء المرشحون كثر، وروسيا تُستنزف في المستنقع الأوكراني»، بينما كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يظنّ بأنه يستطيع إحداث انشقاق بين دول «حلف شمال الأطلسي»، ما يُعطيه القدرة على فرض أمر واقع في أوكرانيا.

ومن الواضح أن المواجهة الحالية لن تنتهي بالعودة إلى العمل كالمعتاد بين روسيا والغرب. يُريد بوتين إصلاح التاريخ بحربه على أوكرانيا واستعادة أراضي روسيا التي احتلّها أسلافه، فعند احتفاله بعيد ميلاد بطرس الأكبر كان يوحي بخطابه بأن جمهوريات البلطيق الثلاث وأوكرانيا وبولندا ودولاً أخرى ستكون تابعة للإمبراطورية الروسية.

فأطماع روسيا غير المحدودة في الحرب الأوكرانية قد أيقظت أوروبا من سباتها، حيث رفضت أن تكون كييف لقمة سائغة على مائدة بوتين التي تضمّ أطباقاً أوروبّية. لم تكن حسابات بوتين تُطابق التوجهات الأوروبّية المفاجئة من غزوته العسكرية، كون الغرب فهم أن التوجه الروسي كما التوجه الصيني هما لاخراج الولايات المتحدة من المنطقة والحلول مكانها، ما يعني أن الغرب بات معنيّاً بالمواجهة المحتملة مع روسيا.

دفع الغزو الروسي لأوكرانيا إلى توحيد الغرب فيما استغنى الألمان عن خط «نورد ستريم 2»، ووضع الأوروبّيون خطة سريعة للتخلّص من الغاز الروسي وسطوته على الغرب، وخصّصت ألمانيا 2 في المئة من ناتجها القومي للسياسات الدفاعية لعسكرة جزء من إنتاجها الصناعي، وسلكت دول أوروبّية نفس الطريق.

تطوّرات مفاجئة برزت عبر التوافق الأوروبي - الأميركي، وحتى الحزبان الأميركيان كانا بنفس الموقف الموحد من أعمال روسيا. لقد وضع الناتو استراتيجية في قمة إسبانيا تكمن بأنّ روسيا باتت تُشكّل الخطر الفعلي على أوروبا والعالم، ما يعني ضرورة تقليم أظافرها.

لا شك في أن الناتو يظهر مرّة جديدة بأن له حلفاء أقوياء ومخلصين من خارجه، يُشاركونه نفس المواقف الإستراتيجية مع بقية الدول الصناعية السبع وغيرها في آسيا وأميركا ودول شرق أوسطية. لقد تبيّن للناتو بأن جيش بوتين الاقتصادي الذي يحتوي على الطاقة الطبيعية والاصطناعية، وسلة الغذاء التي يُهدّد بها العالم، بالإضافة إلى الأموال والذهب الروسي المكدّس في البنوك العالمية، أقوى من جيشه العسكري وجنرالاته، ما يعني بأن الغرب لا يسعى لهزيمة بوتين سريعاً وعسكريّاً بل يسعى إلى استنزافه اقتصاديّاً لفترة طويلة، لإطالة عمر المستنقع الأوكراني.

واستمرار الحرب مع روسيا الآن بات لفرض حصار على قطاع الطاقة الذي يُغذّي شريان الآلة الحربية، والتحرّر لاحقاً من هيمنته على القارة الأوروبّية. قمة الناتو في إسبانيا قد حقّقت عدّة أهداف أهمّها: التأكيد على وحدة الحلف وقوته وتماسكه البنيوي في الشكل والمضمون. تأكيد عداوة الناتو للاتحاد الروسي تحت عبارة الصين ليست خصمنا، روسيا هي التهديد الأكبر لأوروبا. الإتفاق على سياسة توسيع الحلف وضمّ أعضاء جدد إليه رغم تهديدات موسكو.

هذه الأهداف تُشير إلى إفشال خطط بوتين المعلنة من خلال الحرب على أوكرانيا لإبعاد الناتو عن الحدود الروسية، خصوصاً إذا ما تمّ ضمّ أوكرانيا إلى الحلف مع جورجيا ومولدوفا. وفي المرحلة القادمة، سيحكم «الأطلسي» الطوق على روسيا في البحار الثلاثة أي البلطيق وقزوين والأسود.

أمّا ردّ روسيا على ضمّ فنلندا والسويد إلى الحلف بعدما هدّدت بإشعال حرب عالمية ثالثة من خلال استخدام النووي، أتى هادئاً وتبلور بإقامة جولة سريعة للرئيس الروسي خارج البلاد، حيث سارع بوتين إلى عقد قمة بحر قزوين في أوّل خروج علني له منذ غزوه أوكرانيا، وجرت قمّة بين بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، في خطوة مثيرة جدّاً، والتي أثارت قلق الصين.

يُحاول بوتين الإشارة إلى وجود حلفاء مخلصين لروسيا، لكن القصّة أعمق بكثير، بحيث بحث ملفات أمنية خالصة مع اقتراب اللهيب الأفغاني من روسيا والدول المجاورة، بعد أن تركت الولايات المتحدة النار تقترب من إيران والصين وروسيا.


MISS 3