عصام خليفة: سوء إدارة ملف الثروة النفطية فوّت فرص الصعود من الهاوية

16 : 59

تحت عنوان "حماية حقوق لبنان وثرواتـه على الحدود البحرية: الخط 29 – خط الحقوق الوطنية"، عُقدت في 28 حزيران الفائت، ندوة في نقابة المهندسين تناولت موضوع ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، بمشاركة النقيب عارف ياسين والنائب ابراهيم منيمنة.

الندوة التي أدارتها مديرة المركز الوطني للجيوفيزياء الدكتورة مارلين البركس، تخللها نقاش بشأن آليات ضمان الحقوق السيادية وفقًا للقانون الدولي، وتقدير ثروة لبنان من النفط والغاز في مياهه، والبعد الوطني والسياسي في الصراع من أجل حماية حقوق لبنان وثرواته.



وخلال الندوة كانت مداخلة للباحث في شؤون الحدود والمياه الدكتور عصام خليفة، عن حدود المنطقة الإقتصادية الخالصة للبنان بموجب الوثائق التاريخية، هنا نصّها:



"أيها الأصدقاء،

شرف كبير لي ان اتحدث في نقابة المهندسين، هذا الصرح الوطني الشامخ، واسمحوا لي ان أحيي أرواح كبار خالدين من أمثال المهندسين إبراهيم عبد العال، العميد المهندس جاك نصر، المهندس البير نقاش والمهندس سليم لحود وكثر آخرين. وفي هذا السياق اذكّر بما قال بن غوريون ان المهندسين هم بناة المستقبل.

لقد سرقوا ودائعنا في المصارف، وهرّبوا عشرات المليارات من الدولارات إلى الخارج، انهارت القوة الشرائية للعملة الوطنية أكثر من %95 وتصاعدت الأسعار أكثر من 29 مرة.

انهارت المؤسسات الاستشفائية والمؤسسات التربوية وفي طليعتها الجامعة اللبنانية. تصاعدت وتيرة الهجرة إلى الخارج لا سيما للكوادر المهنية، وتزايدت البطالة. وأغرق المجتمع اللبناني بسيل جارف من النازحين في ظل ضغوط دولية لتوطينهم.

في ظل هذا الوضع الذي وصفته المؤسسات الدولية بأنه الأكثر سوءاً في تاريخ الازمات، ظهرت الثروة الغازية والنفطية في المنطقة االقتصادية الخالصة بمثابة خشبة خلاص. ولكن سوء إدارة هذا الملف من قبل المسؤولين أدى إلى تفويت فرص الصعود من الهاوية. لقد خسرنا في مفاوضاتنا مع قبرص، ومع إسرائيل، وحتى مع سوريا.

اولاً: في الوقائع:

-1 الخلل في الاتفاق مع قبرص

خط الاتجاه العام للشاطئ اللبناني ينطلق من النقطة الحدودية البحرية رقم 17 تالفيغ مصب النهر الكبير الجنوبي وينتهي عند النقطة 18 عند التقاء البحر بالبر نقطة رأس الناقورة، ويبلغ طوله حوالي 188,55كلم.

خط الاتجاه العام للشاطئ القبرصي، ينطلق شمالاً من الرأس البحري الواقع بين مدينة ايانابا وبلدة بروتا راس وينتهي جنوباً عند منطقة اكروتيري ويبلغ طول الاتجاه العام للشاطئ القبرصي 103,13كلم.

المساحة المشتركة بين لبنان وقبرص تبلغ 31265,341كلم2. وإذا تم تقاسم المساحة المشتركة نسبة إلى طول الاتجاه العام للشاطئ لكلا البلدين، فإن حصة لبنان تبلغ 20217,55 كلم 2 وحصة قبرص 11047,791 كلم2.

اتفاقية عام 2007 التي رسمت بطريقة خط الوسط أعطت لبنان مساحة 17573,7 كلم2. مما أدى إلى خسارته 2643,85 كلم2 وفقاً لمعيار التناسب بين البلدين.

وزارة الخارجية عارضت وزارة الاشغال (محمد الصفدي) واعدت دراسة قانونية رفعها وزير الخارجية عدنان منصور عام 2014 إلى وزير الدفاع فايز غصن. لكن اصّرت وزارة الاشغال على موقفها واعتمدت الاتفاقية بين لبنان وقبرص عام 2007 مع الترسيم وفق منهجية خط الوسط دون الاخذ بعين الاعتبار الظروف الخاصة المتمثلة بفرق طول الاتجاه العام للشاطئ اللبناني، كعامل جغرافي يزيد من حقوق لبنان. ولكن لم يتم تصديق هذه الاتفاقية في المجلس النيابي اللبناني، وبالتالي فهي غير سارية المفعول، وقابلة للتعديل قبل ابرامها.

-2 الخلل في الترسيم مع اسرائيل

بعد ان رسّمت وزارة الطاقة الاسرائيلية حدود البلوك Alon D وAlon F، ولزّمت بتاريخ 2009/3/1 الاشغال إلى شركة نوبل انرجي. وضعت تلك الوزارة خريطة تتطابق مع الخط 32 الذي رسمته اللجنة اللبنانية المشتركة في 2009/4/29، أي بعد حوالي شهرين من تلزيم تلك البلوكات. وهكذا من حقنا ان نتساءل اليست إسرائيل هي التي كانت وراء الخط 23؟ وأين هي الخصائص التاريخية والقانونية والتقنية فيه؟ هذه الأسئلة مطروحة منذ العام 2012 ولا تزال.

الخط 23 لا ينطلق من رأس الناقورة كما تنص القوانين الدولية واجتهادات المحاكم الدولية. مع العلم ان رأس الناقورة، بحسب كل الاتفاقيات الدولية هو داخل لبنان ومن أبرز هذه الاتفاقيات والقرارات:

- القرار 318 تاريخ 1920/8/31 الصادر عن الجنرال غورو بإنشاء لبنان الكبير.

- اتفاق باريس تاريخ 23 كانون الأول 1920 الذي عقد بين بريطانيا وفرنسا حول تحديد الحدود بين مناطق االنتدابين البريطاني والفرنسي (اتفاق ليغ – بانشهورست).

- اتفاق ترسيم الحدود (بوله – نيوكومب) بين فرنسا وبريطانيا في 7 آذار .1923

- تثبيت هذا الترسيم في عصبة الأمم في 4 شباط 1924.

- اتفاق حسن الجوار بين فرنسا وبريطانيا عام 1926.

- اتفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل في 23 آذار 1949.

حيث ورد في المادة الخامسة، الفقرة الأولى، ان خط الحدود الدولية هو نفسه خط الهدنة.

- الإتفاق الموقع بين الكابيتين إسكندر غانم عن لبنان والكابيتين فريدلندر عن إسرائيل (15-5 كانون الأول 1949) والملحق بخريطة ويتضمن التأكيد على ترسيم 1923 مع زيادة 96 نقطة حدودية بين النقاط الأساسية الـ 38.

في وثيقة الوفاق الوطني اللبناني:

ثمة نص يؤكد على تنفيذ القرار 425 وسائر قرارات مجلس الأمن، والتمسك باتفاقية الهدنة الموقعة في 23 آذار 1949 (مجلس النواب، وثيقة الوفاق الوطني اللبناني ص17) وقد أيد مجلس الأمن في قرار صادر بتاريخ 1989/11/7، دعمه لوثيقة الطائف (المرجع السابق ص 56).

- نص القانون رقم 163 المتعلق بتحديد وإعلان المناطق البحرية للجمهورية اللبنانية 18 آب 2011:

إن خط الأساس ينطلق من "منتصف مصب النهر الكبير شمالاً وصولاً الى نقطة انطلاق خط الهدنة موضوع اتفاقية الهدنة لعام 1949 جنوباً".

انطلاقاً من كل هذه الوثائق التاريخية نؤكد على النقاط التالية:

-1 إن الخط 23 الذي لا ينطلق من رأس الناقورة، بل من 30 متراً شمالاً، هذا الرأس هو خط مناقض لكل هذه الوثائق التاريخية، ويفتقر الى الأسانيد العلمية والتاريخية.

-2 إن الخط 29 الذي ينطلق من رأس الناقورة، والذي أكده مكتب UKHO البريطاني، هو الخط العلمي القانوني والذي يستند على الوثائق التاريخية.

-3 إن عدم انطلاق خط حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة الجنوبية من رأس الناقورة، إضافة الى إعطاء تأثير كامل لصخرة تخليت أدى الى خسارة لبنان 1430 كلم، وهي منطقة غنية بالغاز والنفط!!

-3 الخلاف مع سوريا على الحدود الشمالية للمنطقة الاقتصادية الخالصة: بعد أن اودع لبنان المرسوم 6433 للأمم المتحدة، عام 2011، ارسل مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة كتابا فيه "أن إيداع الجانب اللبناني لهذا المرسوم ليس له أي أثر قانوني ملزم تجاه الدول الأخرى ويبقى مجرد إخطار تعترض عليه الجمهورية العربية السورية".

وهكذا فالخط الذي وضعه السوريون يدخل في المنطقة الشمالية للمنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان مساحة 750 كلم2 تقريباً.

يبقى ان نشير الى السياسة التخريبية المتبعة في مجال استيراد الفيول المغشوش، وصدور المرسوم 43 المناقض للقانون 132 حيث يعطى لشركات صغيرة أن تستفيد بدون وجه حق من موارد الثروة الغازية والنفطية على حساب الشركة التي يجب وحدها ان تستفيد من هذه الموارد، وهي ملك الدولة. وتخصص تلك الموارد للإنماء والرفاه لأبناء شعبنا.

ثانياً: في الموقف

إن الثروة الغازية والنفطية الموجودة في شرق المتوسط تقدر بمئات مليارات الدولارات. ولأمد غير منظور تبقى الحقيقة التي وردت في اطلس الجيوبوليتيك الفرنسي

Tout dans notre vie quotidienne dépend du petrole

كل شيء في حياتنا اليومية يرتبط بالبترول.

في هذا السياق إننا نصر على ما يلي:

-1 ضرورة تعديل مشروع الاتفاق بين لبنان وقبرص على نحو يؤمن مصالح وحقوق الدولة اللبنانية، لا سيما وأن هذه الاتفاقية لم توقع من مجلس النواب ومن رئيس الجمهورية.

-2 الإصرار على رفض الخط 23 لأنه غير علمي وغير قانوني ولا ينطلق من نقطة الحدود الدولية أي رأس الناقورة، والإصرار على تعديل المرسوم 6433 كما اقترحت قيادة الجيش وارسال هذا التعديل الى الأمم المتحدة.

-3 الدخول في تفاوض مع الحكومة السورية، وفي حال عدم الإتفاق اللجوء الى التحكيم الدولي.

-4 تأليف خلية أزمة بالتعاون مع نواب الحراك الـ 13 الذين قدموا مشروع قانون معجلاً لارسال مرسوم التعديل للمرسوم 6433 فوراً الى الأمم المتحدة .

-5 استمرار التنسيق بين نواب الحراك والنقابات وقوى المجتمع ذات الصلة لتنسيق خطوات الدفاع عن مصالح الشعب اللبناني.

-6 الضغط على باقي النواب لتأييد مشروع القانون المقدم في اول جلسة تشريعية.

-7 الاستمرار في التحضير للدعاوى على كل من يظهره التحقيق مشاركاً في هذه الجريمة، فالمادة 277 لا سيما اذا كان مسؤولاً، يعاقب بالسجن المؤبد، ومن جهة أخرى يتم تحضير دعوى ثانية بالخيانة العظمى لكل من يظهره التحقيق مشاركاً لا سيما وان ثمة مخالفة واضحة لبعض المواد الدستورية الواضحة.

-8 الإشادة بأداء الوفد اللبناني الذي فاوض في الناقورة، والتأكيد على كفاءته رئيساً وأعضاء، والمطالبة باستمراره في المفاوضات القادمة، اذا حصلت، شرط ألا تكون هذه المفاوضات لربح الوقت وتمرير الإسرائيليين لمخططاتهم في استغلال حقول الغاز والنفط.

-9 تعديل المرسوم 43 والتأكيد على ان مردود الغاز والنفط هو للشركة التي تشرف عليها الدولة. والعمل على الإلغاء الفوري لكل الشركات التي فقست من اجل مصالح فردية وفئوية. ومن جهة أخرى تأهيل مصفاتي طرابلس والزهراني وإيقاف مهزلة استيراد الفيول المغشوش الذي عطّل معامل الكهرباء واوصلنا الى العتمة الشاملة.

أيها الأصدقاء،

في رحاب نقابة المهندسين نطرح هذه القضية المصيرية ونتمنى ان تتضافر الجهود لمواجهة الجريمة الكبرى التي تُرتكب بحق اجيالنا القادمة، ونحن على يقين بأن ما تختزن هذه المؤسسة من وطنيين مناضلين قادرة توقف المستهترين بمصالح الوطن عند حدهم، وإن غداً لناظره قريب.

MISS 3