ريتا بولس شهوان

مأكولات ومشروبات... تسلية وألعاب... وسوق مفتوح

الحياة تضجّ بـ"نص جونية"!

9 تموز 2022

02 : 00

تحضير طعام عالنار

تخطى عدد زوار سوق ومهرجان بـ»نص جونية» منذ اليوم الأول الـ 8 آلاف زائر، ليرتفع تدريجياً ويصل الى أكثر من عشرة آلاف زائر في نهاية الأسبوع، وهذا إن دلّ على شيء، فإنما يدل على الحاجة الى بارقة أمل من مكان ما.

الحماس ظاهر في كل رقعة من هذا الشارع، فكأن العيد قد زار المدينة بعد أيام عصيبة سجنت روح اللبناني المرحة المحبة. والغريب في هذا المشهد في جونية، أن التاجر والزائر يسعيان سوياً لإنجاح صيف لبنان، الذي تجسّد بنظرهما بـ»نص جونية» رافضين ان تنتهي «حكاية وطن». لذا يعتمد أحد أصحاب الحانات المبدأ الموحد للتسعير، بين كل حانات الشارع، وهو هامش ربح قليل، مقابل زبائن أكثر. ويتوقع شربل (مالك حانة) ان هذا المهرجان سيجذب الزبائن من مختلف المناطق اللبنانية ويعرفهم إلى هذا الشارع، كي تصبح تلك عادة أسبوعية او شهرية إثر زيارة منطقة جونية.



كعكة لبنانية



وعلى النقيض من هذا المشهد المتفائل، هناك مشهد آخر لا يصدق، هو أنه كيف يمكن لنشاط كهذا أن يكسر الجمود في السوق التجارية، أي سوق الملبوسات والمحلات الخاصة، كما هي الحال مع سيف (مالك محل ملابس) لكنه مع كل تشاؤمه، سيفتح محله لأن لا موظفين لديه، وبالتالي لن يتكلف الا بعض الإضاءة ان أراد احد الزبائن ان يشتري. ويبدي «سيف» بعض الملاحظات التي تتعلق بتنظيم المعرض كـ»الدخولية»، وضعف الإعلان المروّج له، والتسويق، والاكتفاء بمنطق تناقل رسائل نصية عبر فيسبوك و»واتس أب»، بغض النظر عن جذب وسائل الاعلام من أجل التغطية. لكن يخالفه الرأي أحد أصحاب الملابس وهو فؤاد كيروز الذي رأى ان البلدية تأخذ بالملاحظات بسرعة، معتبراً انه من الممكن تحسين جودة السوق بشكل يومي، كما يمكن التعلم من الأخطاء السابقة، فبنظره «نحتاج الى أية بارقة أمل، لنجرّ الزبائن ونثبت اننا اهل للحياة» سائلاً: «متى ستعود جونية الى الحياة من دون سوق...؟ يجب وضع مخطط توجيهي للمنطقة».

ويكسر ايلي الخوري، وهو حرفي، كل هذه السوداوية، إذ هو يصمم مجوهرات مزيفة ولديه صفحة على فيسبوك، ويرى أنه عبر هذا المعرض سيحتك بالناس، الذين سيتعرفون إلى منتوجاته، خصوصاً ان قيمة ايجار الطاولة لعرض المنتجات اقل بكثير من المردود المعنوي الناتج من تسويق حرفته.



قعدة عالشط



هذا السوق شكل أيضا منفذ أمل لجورج الذي خسر محله الذي يبيع الحلويات والبوظة، بسبب الأزمة الاقتصادية، وقرر ان يتحدى الظروف، بعرض الـ»ميري كريم» بـ خمسين ألفاً، فلا يشعر انه انتهى عاطلاً عن العمل في المنزل. مثله كمثل جاره الذي يصنع الـ»كريب»، فقرر ان يدرس السوق وحركته ان أراد ان يفتح في المنطقة محلاً لبيع الحلويات، فيبيع الـ»كريب» أيضاً بسعر الكلفة. فرحته «واصلة لقرعته» كما يصف نفسه، فمنذ اليوم الأول لم يتوقف دقيقة عن البيع دالاً على شعار محله، الذي «نسقه» مجدداً خصوصاً لهذا السوق ليكون معتمداً بشكل دائم.

وهناك عدد من صانعي المونة كـ»مونة كوكو»، التي تهدف الى تشجيع جونية ولبنان عبر مشاركتها في النشاط أكثر من تركيزها على بيع مونتها، وتعرف انها قد تبيع على قدر ايجار مساحتها ولكنها ليست مهتمة الا بالحضور والتعريف ببضاعتها التي انتشرت هكذا، فهي تصنع «ورق العريش المكبوس باللبنة» وخلطات خاصة بها من مزرعتها الخاصة في زحلة.

وللخان في جونية قصة أخرى، إذ استأجره معهد وجمعية «فيلوكاليا عينطورة» التي افترشت بأقسامها الأربعة هذا الخان، لتعرض منتوجات فرع فن الطهي. إضافة إلى أن أساتذة هذا الفرع سيطبخون مباشرة امام الزبائن. وهناك فرع اشغال الارتيزانا اليدوية الذي يبيع اعمال الاساتذة، وسيحيي تلامذة المعهد حفلات موسيقية مصغرة، كما ستقام نشاطات من انتاج فرع الثقافة والروحانيات تشرح معاني الكتاب المقدس.



مونة بلدية



إنّ سوق جونية الذي يقام منذ عشرين عاماً، والذي أعيد تجديد فكرته منذ 3 سنوات بشعار جديد، ينقسم زواره بين أهل منطقة كسروان الذين يودون تنشيط المنطقة عبر تشجيع الحركة في قلب عاصمة كسروان جونية، وقسم من خارج كسروان يريد الترفيه عن نفسه، وقسم آخر يشمل السياح الذين لا يزالون يؤمنون بلبنان وبقيامته.

ويجد العمّ سليم في هذا السوق كل ما يود من مأكولات، مشروبات، كما يلتقي بأبناء المنطقة الذين أبعدت «كورونا» المسافة بينهم، فيفرح العم عند ملاقاة أي رفيق فرقته عنه الأيام، «يهوبر» لهم من بعيد، يختار لهم مقعداً قربه ويقدم لهم ما يشربونه لتطول فترة الدردشة، فتراه مشغولاً على مدى 3 أيام بـ»زحمة» البشر. أما ناتالي (كسروان) فهي تشعر ان أولادها فكوا عزلتهم المفروضة عليهم بسبب «كورونا»، اذ إن أحد أولادها ولد خلال تلك المرحلة، ولم يتعرف بعد إلى العالم كما يجب، فهنا في هذا الشارع، سيختبر هذا الطفل العاباً هوائية بسعر مخفّض، وسيحصل على كتاب مقدس باللهجة اللبنانية مجاناً، كما سيشاهد نشاطاً ترفيهياً خاصّاً بالأطفال، ويمكن للأم أن تذيق أبناءها الـ»منقوشة» بالعشرين ألفاً التي ستحسم من الفاتورة، إضافة الى خاصية مهمة للغاية بنظرها وهي اخراجهم من عالم الالكترونيات ونقلهم الى الهواء الطلق.

كما أبناء المنطقة كذلك كل لبنان يود تشجيع هذه النقطة الاستراتيجية، أي جونية، فمن بعيد اتى فادي من جزين، وعرف بالسوق من طريق الصدفة، فحمل كل عائلته وترجلوا من السيارة ليتناولوا الطعام. الابتسامة تضج على وجهه المنغمس في الطعام، فيكرر: مبسوط مبوسط، بجزين ما في هيك... متمنياً عبر «نداء الوطن» ان تعم هذه الفرحة مناطق لبنان جميعها هذا الصيف اذ يحتاج هذا البلد شيئاً من الترفيه بعد «كورونا» والأزمة الاقتصادية.

وللسياح حصة ضخمة في هذا الشارع، فبعد كل خطوتين، منذ اليوم الأول، تجد طاولة مليئة بالسياح او مجموعة تترافق وتتعرف إلى الثقافة اللبنانية. فمحمود (عراقي) حجز في فندق قريب من الشارع عندما عرف بهذا السوق، وهو يجول بين محطاته، يشرح كيف ان أسعار بعض المأكولات في العراق اغلى من أسعارها في لبنان، وكيف كان يبحث عن كل المنتوجات التي تستخرج من زيت الزيتون اذ إن شجرة الزيتون غير موجودة في العراق، وهو يريد ان يوزعها هدايا على اهله من صابون وزيت.




المسرح



أما عضو جمعية تجار جونية شربل زوين، فشرح لـ»نداء والوطن» أهمية التعاون مع بلدية جونية، فتم الاتصال بحرفيين ومهنيين لدعوتهم للمشاركة فأثمر ذلك منذ اليوم الأول نجاحاً هائلاً يتمثل بعدد الزوار الذي فاق التوقعات.

ويراعي المنظمون القدرات المالية لذوي المنتوجات المعروضة. فهم لم يحصّلوا أموال الإيجارات منذ مشاركتهم، وهي بالدولار الأميركي. وهمّهم الوحيد هو تنشيط الحركة الاقتصادية والسياحية في البلد.

أما عضو البلدية رمزي شقرا فيعلن عبر «نداء الوطن» عودة الحياة الى جونية بعد ان أوقفت «بنص جونية» الذي بدأ عام 2019، واليوم عاد الحراك إلى جونية ليجمع الأصحاب، واللبنانيين جاذباً السياح.

هذه «التنفيسة» بسعرها القليل الذي هو عبارة عن 60 ألف ليرة «للدخولية» مدعومة من رعاة هذا المعرض، وهي مقسومة الى قسمين: 30 ألف ليرة تأخذها البلدية لتدفع مستحقات تنظيم النشاطات اليومية، وبدل اتعاب العمال مقابل النشاطات الترفيهية التي تعرض مجاناً للمشاهدين يومياً على مدى شهر. وعشرون ألف ليرة تعود الى الزائر على شكل خصم من فاتورته مهما فعل.


MISS 3