إقتراح تعديل وزاري لم يُثنِ العراقيّين عن مواصلة ثورتهم

12 : 03

متظاهران يتحصّنان بدروعٍ تَقيهم "حرب" قوات الأمن وغازها المسيّل للدموع (أ ف ب)

في محاولة لامتصاص غضب الشارع، أو "جسّ نبضه"، أو حتّى في ما يعكس إصرار السلطة على صمّ آذانها عن مطالبه المحقّة الكاملة، رشحت أمس أخبار من الحكومة العراقيّة تُفيد بعزم رئيسها المأزوم عادل عبد المهدي على إجراء تعديل وزاري يُرضي المتظاهرين بنظره، لكنّ الثوّار الذين يفترشون "ساحات الحرّية" منذ مطلع تشرين الأوّل، يُبدون تعنّتاً غير قابل للمساومة بإصرارهم على الإضراب العام حتّى نيل مبتغاهم بإسقاط الحكومة والنظام برمّته.

وكشف الناطق باسم الحكومة العراقيّة سعد الحديثي أمس، أن التعديل الوزاري "سيشمل وزارات خدماتيّة واقتصاديّة تتعلّق بمطالب المتظاهرين"، مؤكّداً لـ"روسيا اليوم" أن "عبد المهدي عازم على التعديل، ويُحضّر للأسماء المرشّحة للوزارات التي يُريد تعديلها، وينتظر اكتمالها لإرسالها إلى مجلس النوّاب من أجل التصويت عليها". ولفت إلى أن اختيار الوزراء الجدد "سيكون بناءً على معايير بعيدة من الكتل السياسيّة ووفق قناعات رئيس الحكومة".

لكنّ تصريح الحديثي لم يُثنِ آلاف العراقيين عن التدفّق مجدّداً إلى شوارع العاصمة بغداد ومدن جنوبيّة عدّة، معلنين إضراباً عاماً أعاد الزخم إلى حراكهم الاحتجاجي المتواصل منذ أسابيع والمُطالب بمكافحة الفساد وتأمين فرص عمل وتغيير الطبقة السياسيّة الحاكمة المتَّهمة بالفساد والإرتهان لإيران.

وتوقف العمل أمس في غالبيّة مدن الجنوب، من البصرة وصولاً إلى الكوت والنجف والديوانيّة والحلّة والناصرية، حيث أغلقت الدوائر الحكوميّة والمدارس، فيما أعلنت السلطات المحلّية في محافظات بينها بابل وواسط وذي قار، اعتبار يوم أمس عطلة رسميّة. وأقدم المتظاهرون في البصرة الغنيّة بالنفط، على حرق إطارات لقطع الطرق ومنع الموظّفين من الوصول إلى عملهم. وفي الحلّة، خرج آلاف بينهم طلاب وموظّفون حكوميّون، للاعتصام أمام مبنى مجلس المحافظة في وسط المدينة. ومساءً، أغلق المتظاهرون المدخل الرئيس لقضاء الرفاعي، شمال الناصريّة، بالإطارات المشتعلة، ما دفع القوّات الأمنيّة إلى إرسال تعزيزات.

ووسط إجراءت أمنيّة مشدّدة، احتشد آلاف المتظاهرين في "ساحة التحرير" المركزيّة في بغداد، وساحة الخلاني القريبة، وعند جسر السنك الحيوي، الذي كانت القوّات الأمنيّة قد منعت تقدّمهم إليه قبل أسبوعَيْن. وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يُظهر مجموعة من المتظاهرين في "ساحة التحرير" وهم ينهالون بالضرب على شخص، قالوا إنّه القيادي في "عصائب أهل الحق" مشتاق طالب، التي تعمل تحت إشراف مباشر من قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني، والمتّهمة بالمشاركة في استخدام الرصاص الحيّ في قمع المحتجّين وتسهيل التدخّل الإيراني في الشؤون العراقيّة.

وتزامناً مع الاحتجاجات، سقط صاروخان في محيط "المنطقة الخضراء" وسط بغداد، التي تحتضن مقرّات الأجهزة الحكوميّة وسفارات دول أجنبيّة بينها السفارة الأميركيّة. وسقط أوّلهما في مياه نهر دجلة، فيما انفجر الثاني قرب إحدى الشركات، ما أسفر عن إصابة مدني بجروح.

وتشهد العاصمة العراقيّة والمحافظات الجنوبيّة ذات الغالبيّة الشيعيّة، منذ مطلع تشرين الأوّل الماضي، احتجاجات حاشدة على تدهور الظروف المعيشيّة وتنامي البطالة والفساد، قابلتها قوّات الأمن بالعنف، ما أسفر عن مقتل أكثر من 300 شخص وإصابة 11 ألفاً آخرين.

وفي هذا الإطار، اعتبر قائد بعثة "حلف شمال الأطلسي" في العراق الجنرال داني فورتين أن أعمال العنف التي شهدتها الاحتجاجات "مأساة مطلقة". وقال لوكالة "فرانس برس" أمس، في ختام مهمّته التي استمرّت سنة كاملة، إنّ "الأطلسي يُواصل حضّ الحكومة العراقيّة على ضبط النفس".وتعرّضت قوّات الأمن العراقيّة لانتقادات حادة خلال الأسابيع الأخيرة، بسبب استخدامها الرصاص الحي والقنابل المسيّلة للدموع بهدف صدّ المحتجّين. واتهمتها منظّمات حكوميّة بإطلاق قنابل الغاز المسيّل للدموع بشكل غير صحيح من مسافات قريبة، ما أدّى إلى وقوع قتلى وإصابات "مروّعة" من خلال اختراق القنابل للجماجم.


MISS 3