رامي الرّيس

خارج التاريخ والجغرافيا!

13 تموز 2022

02 : 00

لم يعد هناك من فائدة من مواصلة سياسة الإنكار ورفض الإعتراف بالواقع. لقد أصبح لبنان في موقع آخر. لا تكفي بعض اللوحات الإعلانيّة على طريق المطار (وكأنها إنجاز تاريخي) للترحيب بالسياح (واللبنانيين المغتربين) لإشاحة النظر عن الواقع المزري الذي وصلت إليه البلاد والذي يبدو أن الخروج منه لن يكون أمراً سهل المنال.

جميلٌ جداً أن يتنفس القطاع السياحي اللبناني مجدداً بعد أن مرّ بأزمات متلاحقة ومتراكمة كسائر القطاعات الإقتصاديّة. وجميلٌ أيضاً أن يتقاطر اللبنانيون من سائر أنحاء المعمورة وأن تتدفق معهم كميّات من العملات الصعبة لتنعش الإقتصاد بعض الشيء وتحرّك الركود الذي فرضته موجة الغلاء الفاحش وجشع تجّار الأغذية والأدوية وسائر المنتوجات.

ولكن، كل هذه الحركة «الجميلة» التي تعيد تسليط الضوء على طبيعة لبنان الخلابة ومرافقه السياحيّة المتنوعة، ليست كافية للخروج من المأزق ولا يمكن حتى التعويل عليها في إطار السعي لإعادة لبنان إلى سكة التعافي الفعلي والحقيقي.

في الظروف الطبيعيّة، لم يكن الإتكال اللبناني التاريخي على قطاع السياحة والخدمات وإهمال القطاعات الأخرى خطة محمودة؛ فكم بالحري في أوقات الأزمات الحادة والانهيارات المتتالية؟ لطالما عانى اللبنانيون (بإستشناء قلة محظوظة و»مدعومة») من حالات الانشطار الإقتصادي التي عاشها لبنان حتى في الحقبات التي كانت تُوصف بأنها «ذهبيّة»، أي حقبة الستينات والسبعينات.

لقد ساهم التركيز الإقتصادي الرسمي على قطاعاتٍ محددة دون سواها في التشوه الإقتصادي، وترافق ذلك مع الترويج لقطاع المصارف والخدمات الماليّة التي تتبخّر مع وقوع أول أزمة إقتصاديّة وماليّة ونقديّة مثلما حدث منذ 17 تشرين الأول 2019. وهذا ما بيّن بوضوح مساوئ الفشل في إعتماد سياسات التنويع الإقتصادي والتركيز على قطاعات خدماتيّة حصراً.

وما زاد الطين بلة هو إنتشار الفساد السياسي والإداري وغياب كل أشكال المحاسبة والمساءلة التي كانت بمثابة نتيجة طبيعيّة لتدجين السلطة القضائيّة والامتناع عن الإعتراف بإستقلاليتها والعمل الحثيث على تفريغ دورها الأساسي في إطار تثبيت دعائم الفساد وإنتشاره على كل مرافق الدولة بكل مستوياتها.

ما لم يترافق أي إصلاح إقتصادي منشود مع بلورة سياسات إقتصاديّة لبنانيّة جديدة يمكن من خلالها إعادة بناء الإقتصاد الوطني على أسس مختلفة نوعياً عن الحقبات السابقة؛ فلن يتمكن لبنان من أن يستعيد عافيته وأن يخرج من القعر الذي أغرق فيه.

ليس المطلوب بطبيعة الحال الإنقضاض التام على التاريخ المضيء والنجاحات المحدودة، ولو غير المكتملة، التي قام بها لبنان في الحقبات الماضية؛ بل المطلوب هو مواءمة أي خطوات إقتصاديّة جديدة مع إعادة نظر شاملة بكل العناصر التكوينيّة للإقتصاد اللبناني وميزاته التفاضليّة لا سيّما أن الحفاظ على سياسات الإنفتاح والتنوع التي تميّز بها لبنان ضروري في إطار التصدّي لمخططات «إختطافه» نحو محور الممانعة مع كل ما يعنيه ذلك من إنغلاق وتزمت.

مع بدء العد العكسي لإنتهاء ولاية رئيس الجمهوريّة ميشال عون، يبدو توقع أية خطوات جديّة في المجالين السياسي والإقتصادي خارج المنطق السياسي قياساً إلى سياسات التعطيل والمناكفة التي يجيد العهد وفريقه وتياره اللعب على أوتارها، ودائماً على حساب المصلحة الوطنيّة اللبنانيّة العليا.

المهم الآن السعي الحثيث لبناء رأي عام لبناني ضاغط لإجراء الإنتخابات الرئاسيّة في مواعيدها الدستوريّة وقطع الطريق على جماعة محور الممانعة لتعطيلها أو لإستصدار فتاوى دستوريّة (هي عمليّاً غير دستوريّة) لإبقاء الرئيس في القصر بعد الحادي والثلاثين من تشرين الأول المقبل.

عندئذٍ، سيصبح لبنان خارج التاريخ والجغرافيا نهائيّاً!