بشارة شربل

القضاء والغطاء والبلاء

13 تموز 2022

02 : 00

لا شيء في لبنان اسمه "العصفورية" التي يحلو لبعض المعلقين والزملاء المحترمين اطلاقه على التخبط والضياع والانحطاط الذي تعاني منه البلاد. انها وضعية "اختلال" لكنها تدار بعقل بارد جهنمي يعرف البدايات والمآلات. وما صَرفُ نحو ثلاثة مليارات دولار منذ مطلع العام من أموال الناس ووضعها في قربة مفخوتة إلا مثال بسيط. ففي متن هذا القرار أثرى كثيرون من لعبة الدولار ومن منصة "حيرمة" وتابع آخرون مصَّهم عظام الدولة، فيما المنظومة الحاكمة نجحت في البقاء متحكمة بمصائر اللبنانيين مستعيدة هيمنتها بالانتخابات، ورئيسُ الجمهورية لا يزال يعد بإنجازات عبر "تدقيق جنائي" وهمي كان يجب أن يبدأ بأقرب مقربيه لو صدقت النيات.

على هذا المنوال جرى السعي الفعلي لاستثناء القضاة من الانهيار لا حباً بأشخاصهم وحرصاً على موقعهم بل بفعل الحاجة الى غطائهم. ورغم التلطي وراء الالتباسات والإنكار هناك دُخان ونار ناجمان عن تفاهم بين القضاة وحاكم مصرف لبنان والبنوك على صرف رواتب السلطة القضائية على سعر 8 آلاف ليرة بعد تحويلها الى دولار في خطوة أقل ما يقال فيها إنها مُعيبة ومَعيبة في آن.

كلنا مع تعزيز وضع القضاة ووقف تسربهم من السلك الى خارج البلاد، لكن الأزمة عامة وما يقال عن أوضاعهم يصلح على سائر موظفي الدولة وخصوصاً العسكريين الذين يحافظون على الأمن باللحم الحي. ولا ننسى أن القضاة استفادوا على مدى سنوات من رواتب ممتازة وقروض حرزانة مهَّدت لسلسلة الرتب والرواتب التي أرهقت الموازنة في بلد كان مسار الانحدار المالي والاقتصادي فيه ينذر بالإفلاس.

والحال، إن أول من يتوجب عليه رفض هذا "العرض السخي" في زمننا الصعب هم القضاة أنفسهم، إذ يدركون أن الزيادة ستأتيهم مما تبقى من ودائع الناس التي شفطت معظمها "ثلاثية" الحاكم والجمعية والسلطة السياسية. وهي ليست مجرد ترتيب مع قطاع البنوك الخاص كون طرفها الأساسي المصرف المركزي، وبالتالي فإنها غير قانونية وغير دستورية وغير أخلاقية.

حبذا لو تأتي مساعدة من "محسن كريم" تخصص للقضاء، فنحن نريده اليوم وغداً مرجعاً وضمانة للعدالة في بلد استباح حكامه مقدراته مثلما تستباح سيادته. ولا شك لدينا في وجود قضاة نزيهين يعانون الأمرَّين جراء تسلط المنظومة ومنعهم عن الواجب، بدءاً من مخالفة بناء وتزوير الصلاحية في الغذاء والدواء وصولاً الى تفجير النيترات. لكن للبنانيين ملاحظات على كثيرين منهم لوَّثهم الفساد والاستزلام وارتضوا الجبن والمهانة فتحولوا شهودَ زور أو أدوات لدى السلطة والمافيا على سواء، وهؤلاء يستحقون الاحالة الى القضاء وليس هندسة معاشات. أما أبسط مصداق على ما سُقناه فهو أن لا فاسد وراء القضبان ولا جريمة اساسية إلا وقُيدت ضد مجهول، فيما النيابات العامة تستنفر ضد اصحاب الرأي الحر أو المتعرضين لـ"الذات الرئاسية".

السادة القضاة: ما توافقتم عليه مع حاكم المركزي والبنوك يتضمن "شبهة رشوة" لشراء ضمائركم حمايةً لمانحيكم من الحساب. فادفعوا الشبهة لأنه "اذا فسد القضاء حلَّ البلاء"... ويكفيكم ما فيكم.